لماذا ننام؟

الدكتورة هبه الزعبي

الدكتورة هبه الزعبي

طبيبة

لقد كان النوم موضوعًا مهمًا للتفكير والتخمين منذ زمن الفلاسفة اليونانيين الأوائل، ولكن في الآونة الأخيرة فقط اكتشف الباحثون طرقًا لدراسة النوم بطريقة منهجية وموضوعية. وقد ساهم إدخال التكنولوجيا الجديدة مثل تخطيط كهربية الدماغ، التي تقوم بتتبع النشاط الكهربائي للدماغ، في النظر إلى الأنماط الكهربائية والنشاط الناتج عن الدماغ أثناء النوم.

السبب الدقيق وراء التساؤل "لماذا ننام" واحد من أعظم ألغاز العلم الحديث. وعلى الرغم من أنه قد تم اقتراح نظريات مختلفة، إلا أن الحقيقة أنه لا يوجد أحد متأكد تمامًا من سبب قضاء ما يقرب من ثلث حياتنا في النوم. ورغم أن جميع العلماء لم يتفقوا على سبب نومنا بالضبط. تميل أنماط النوم إلى اتباع جدول يمكن التنبؤ به إلى حد ما. وفي محاولة لحسم الأمر، قد تم اقتراح عدد من النظريات المختلفة لتوضيح ضرورة النوم وكذلك وظائف النوم وأغراضه. وفيما يلي سنذكر أربع من النظريات الرئيسية التي نشأت لتوضيح أسباب نومنا:


نظرية الإصلاح والتجديد

 

وفقًا لنظرية الإصلاح والتجديد، فإن النوم ضروريًا لتنشيط واستعادة الوظائف الفسيولوجية والوظائف العقلية التي تحافظ على صحة الجسم والعقل وتساعد على استكمال عملها بشكل صحيح. يدعم هذه النظرية بحث تم عام 2011، الذي أظهر أن النوم المضطرِب يكون نتيجة للفترات الطويلة التي يُحرم فيها الشخص من النوم، ونتيجة أيضًا للنشاط البدني الشاق. خلال النوم، يزيد الجسم من معدل انقسام الخلايا وتوليف البروتين، وهو ما يشير إلى أن الإصلاح والتجديد يحدث أثناء فترات النوم.

 

في عام 2013، اكتشف الباحثون دليلًا جديدًا يدعم نظرية الإصلاح والتجديد، حيث أنهم اكتشفوا أن النوم يسمح للدماغ بأداء ما يسمى بعمليات الصيانة أو حفظ للأحداث والأمور الهامة. وفي عدد أكتوبر لعام 2013 من مجلة Science، وهي مجلة أكاديمية علميةأمريكية. نشر الباحثون نتائج دراسة تُشير إلى أن الدماغ يستخدم النوم لطرد السموم منه. كما يقترحون أن نظام طرد السموم السابق هو أحد الأسباب الرئيسية التي تجعلنا ننام. ومع ذلك، من المهم أن ندرك أن هذه الدراسة قد أُجريت على الفئران وليس البشر، حيث تضمنت الدراسة النظر في تدفق السوائل في أدمغة الفئران في حالات اليقظة والنوم. وقد أوضح مؤلفو هذه الدراسة أن وظيفة النوم الإصلاحية قد تكون نتيجة لإزالة السموم العصبية التي تتراكم في الجهاز العصبي المركزي.

 

وفقًا لأحد مؤلفي الدراسة السابقة، الدكتورة مايكين نيديرغارد، فإن موارد الدماغ المحدودة تجبره على الاختيار بين حالتين مختلفتين: الاستيقاظ واليقظة أو النوم والتنظيف. وتشير أيضًا نيدير غارد أن الخرف والسكتة الدماغية ترتبط جميعها باضطرابات النوم. كما يقترح بعض الباحثين أن هناك مشكلات تحدث أثناء تنظيف الدماغ من تلك السموم، التي ربما تلعب دورًا في عدد من اضطرابات الدماغ مثل مرض الزهايمر.

النظرية التطورية

 

تشير نظرية التطور للنوم، والمعروفة أيضًا باسم نظرية التكيف، إلى أن فترات النشاط والخمول قد تطورت لتكون وسيلة للحفاظ على الطاقة. وفقًا لهذه النظرية، تكيفت جميع الكائنات الحية على النوم خلال فترات زمنية معينة، يصبح فيها الاستيقاظ يمثل خطورة عليهم. يأتي دعم هذه النظرية من البحث المقارِن للكائنات الحية المختلفة. فمثلًا الحيوانات التي لديها القليل من السمات الافتراسية، غالبًا ما تنام ما بين 12 إلى 15 ساعة في اليوم. من ناحية أخرى، الحيوانات التي لديها العديد من السمات الافتراسية، لديها فترات نوم قصيرة، وعادة لا تحصل على أكثر من 4 أو 5 ساعات نوم في اليوم.




نظرية دمج المعلومات

 

تعتمد نظرية دمج المعلومات في النوم على البحث المعرفي وتقترح أن الناس تنام من أجل معالجة المعلومات التي تم الحصول عليها خلال فترة النهار، بالإضافة إلى معالجة معلومات اليوم السابق، وقد حدث جدل في هذه النظرية حول أن النوم يسمح للدماغ بالاستعداد لليوم التالي.

 

وتشير أيضًا بعض الأبحاث التي تمت في عام 2012 إلى أن النوم يساعد في ترسيخ الأشياء التي تعلمناها أثناء النهار في الذاكرة طويلة المدى. ينبع دعم هذه الفكرة من عدد من دراسات الحرمان من النوم التي تثبت أن قلة النوم لها تأثير خطير على القدرة على استعادة المعلومات وتذكرها.

نظرية التنظيف

 

تقترح نظرية رئيسية أخرى أن النوم يسمح للدماغ بتنظيف نفسه. وجدت دراسة الفأر التي تم إجراؤها في أكتوبر عام 2013 أن الدماغ ينظف نفسه من السموم التي تنتج في فترة النهار. بينما ننام، يزداد تدفق السوائل عبر الدماغ. ويعمل هذا كجزء من نظام تطهير الدماغ والتخلص من السموم الموجودة بها.

 

على الرغم من أنه توجد أبحاث وأدلة لدعم نظريات النوم السابقة، إلا أنه لا يوجد حتى الآن دعم كامل لنظرية بعينها. ولكن من الممكن استخدام جميع هذه النظريات للاستدلال على سبب نومنا. بما أن النوم يؤثر على العديد من العمليات الفسيولوجية، فمن الممكن أن يكون حدوثه يرجع إلى أسباب متعددة. فالنوم ضروري لكل وظائف الجسم. فنقص النوم ينتج عنه نقص في التركيز والذاكرة وبطء في ردة الفعل واتخاذ القرارات الصحيحة، كما أنه يسبب زيادة النعاس في النهار وتعكر المزاج. وقد أظهرت الأبحاث أن حوادث السيارات المميتة تزداد في الساعات المتأخرة من الليل وليس في أوقات الذروة، ويرجع ذلك إلى نعاس ونوم السائق أثناء القيادة. نقص النوم عملية تراكمية، فمثلًا عدم الحصول على نومٍ كافٍ لعدة ليالي يؤثر تأثيرًا مشابهًا للبقاء مستيقظًا لمدة أربع وعشرين ساعة متواصلة. في جميع الحالات، علينا أن نتأكد من شيء هام، أن النوم يخدم عددًا من الأغراض الفسيولوجية والنفسية المختلفة، بما في ذلك تنظيف الدماغ من السموم ودمج المعلومات في الذاكرة.

في الأخبار