كيف يساعد التأمل مرضى السرطان في إدارة القلق؟

الدكتورة هبه الزعبي

الدكتورة هبه الزعبي

طبيبة

وفقًا لمراجعة جديدة قام بها باحثون في جامعة مانيتوبا، قد يستفيد مرضى السرطان من استخدام اليقظة للتحكم في القلق. القلق شائع لدى الأشخاص الذين يخضعون لعلاج السرطان. يعاني ما يصل إلى ١٩٪؜ من البالغين المصابين بالسرطان من مستويات سريرية من القلق. والمعدل أعلى لدى الأطفال، حيث يعاني ما يصل إلى ٢٧٪؜ من القلق. كشفت نتائج المراجعة التي أجراها الباحثون الكنديون أن التدخلات القائمة على اليقظة (MBIs) قللت من القلق والاكتئاب لدى مرضى السرطان البالغين لمدة تصل إلى ستة أشهر بعد العلاج. على الرغم من عدم تضمين الأطفال في الدراسات، فإن نتائج المراجعة توفر إطارًا واعدًا للبحوث المستقبلية حول علاج القلق المرتبط بالسرطان.


القلق المرتبط بالسرطان

يمكن أن يقلل القلق من جودة حياة مريض السرطان ومن الالتزام بالعلاج. العلاج التقليدي للقلق المرتبط بالسرطان يشمل الأدوية والعلاج السلوكي المعرفي. ومع ذلك، فإن الأدوية ليست الخيار المفضل للعديد من المرضى ويمكن أن يكون العلاج السلوكي مكلفًا وله قوائم انتظار طويلة. يتجه بعض مقدمي الرعاية الصحية إلى العلاجات التكميلية، بما في ذلك العلاج القائم على اليقظة والتأمل لتزويد مرضى السرطان بطرق أكثر سهولة ويسر للتعامل مع قلقهم. إن علاجات القلق التقليدية ليست دائمًا مناسبة للأشخاص المصابين بالسرطان. فقد يكون العلاج القائم على اليقظة والتأمل خيارًا سهل الوصول إليه وبأسعار معقولة.


كيف يعمل التأمل؟

التأمل هو تقنية تساعد الشخص على تركيز انتباهه على اللحظة الحالية، مما يسمح له بإدراك مشاعره وأفكاره. غالبًا ما يكون القلق بمثابة إسقاط لمخاوف المستقبل أو مشاعر الماضي. يساعد التأمل الشخص على السيطرة على المشاعر المؤلمة والمسببة للقلق، وقد ثبُت أيضًا أنه يحفز المزيد من الهدوء، والاسترخاء، والاستقرار النفسي. تتمثل إحدى مزايا التأمل على علاج القلق التقليدي في أنها لا تتطلب مساهمة من الخبراء في العمل. حيث يمكن تعلّم التأمل أو ممارسته في المنزل حتى من خلال تطبيقات الهاتف المحمول أو البرامج الافتراضية في أي وقت. غالبًا ما يتم تحقيق التأمل من خلال عمليات التنفس المتكررة التي تساعد في تركيز العقل.


التأمل والقلق من السرطان

قام باحثو جامعة مانيتوبا بتحليل ٢٨ تجربة سريرية عشوائية شملت ٣٠٥٣ بالغًا مصابًا بالسرطان. كان الحد من الإجهاد والقلق القائم على التأمل (Mindfulness-based stress reduction) والعلاج المعرفي القائم على التأمل (mindfulness-based cognitive therapy) هما الأشكال المُختارة للعلاج في التجارب. أظهرت نتائج المراجعة أن التأمل الذهني قلل من القلق والاكتئاب وحسن نوعية الحياة المرتبطة بالصحة لدى مرضى السرطان. ومع ذلك، لوحظت هذه النتائج فقط على المدى القصير والمتوسط ​​(حتى ستة أشهر)؛ ولم يُلاحظ أي فوائد على المدى الطويل. لكن هذا لا يعني أنه ليس فعالًا، فالمشاركين قد ينسون المهارات التي تعلموها بمرور الوقت إذا لم يتم تعزيزها. ونظرًا لأنه تدخل قائم على المهارات، فقد تكون الجلسات التعزيزية ضرورية للحفاظ على تقنيات التأمل التي تم تعلمها. هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات لتحديد مدى فائدة التأمل لمُختلف الأعمار (مثل الأطفال) بالإضافة إلى فعاليتها على مدى فترات أطول.


التأمل كعلاج لعائلة المريض

لا يقتصر الخوف والقلق المرتبطان بالسرطان على المرضى فقط - فغالبًا ما يشارك الأصدقاء المقربون وأفراد الأسرة هذه المشاعر. على الرغم من أن مشاعر من حولهم غير مقصودة، إلا أنها يمكن أن تؤثر سلبًا على الشخص المصاب بالسرطان. هناك بالتأكيد سبب للاعتقاد بأن التأمل الذهني قد يكون استراتيجية فعالة للرعاية الذاتية لمقدمي الرعاية الأسرية. وفقًا لكاثرين ميلبوري، أستاذة مساعدة في العلوم السلوكية في مركز إم دي أندرسون للسرطان بجامعة تكساس، يمكن أن يساعد التأمل أيضًا أحباء مريض السرطان في التأقلم. فعلى الرغم من وجود عدد أقل بكثير من الدراسات التي تركز على أفراد الأسرة، إلا أن هناك بالتأكيد سبب للاعتقاد بأن التأمل الذهني قد يكون استراتيجية فعالة للرعاية الذاتية لأسرة وأحباء المريض.


طرق أخرى لتقليل القلق

بالإضافة إلى علاج القلق الرئيسي، هناك أيضًا الكثير من الأنشطة التي يمكن للأشخاص ممارستها في حياتهم اليومية لتقليل القلق والاكتئاب. تقترح دكتورة ميلبوري اتباع نشاطًا بدنيًا منتظمًا، مثل المشي، أو الركض، أو ركوب الدراجات لمدة ١٥٠ دقيقة تقريبًا في الأسبوع. يجد بعض الناس أيضًا أن كتابة اليوميات مفيدة. ثبُت أن الكتابة التعبيرية مفيدة بشكل خاص لمرضى السرطان المصابين بالقلق. وتؤكد دكتورة ميلبوري أيضًا على أهمية وجود نظام دعم حول المريض، فالمرضى الذين لديهم شبكة اجتماعية قوية وأولئك الذين يستخدمون التأقلم القائم على الدعم وحب الآخرين يميلون إلى التحسن.

هناك العديد من التقنيات لممارسة التأمل. ومع ذلك، فإن الهدف الأساسي هو جذب العقل للتركيز إما على كيان داخلي أو خارجي. قد تتضمن بعض الأساليب العقل الذي يركز على جسم خارجي إجمالي، أو صوت خارجي أو داخلي، أو على مراقبة أنفاس المرء. يتطلب التأمل ممارسة مستمرة بحيث يمكن لكل أسلوب مساعدة العقل على الاستقرار والتركيز بدلاً من أن يكون مشتتًا. يتم استخدام الممارسات القائمة على التأمل بشكل متزايد في مختلف جوانب إدارة السرطان. 


في هذه المقالة، وضحنا بيانات التجارب السريرية التي تبين فوائد التأمل في جوانب مختلفة، بالإضافة إلى التقنيات التي تم استخدامها بشكل شائع في هذه الممارسة. فإن فوائد ممارسات التأمل لإدارة الآثار السلبية للعلاج والأعراض الناتجة عن تطور السرطان، مثل التوتر والقلق والاكتئاب، أظهرت فعاليتها مقارنة باستراتيجيات إدارة القلق التقليدية. لكن لا زال هناك حاجة لمزيد من التجارب المستقبلية التي تستكشف استخدام التأمل في الحد من الإصابة بالسرطان أو منع تكرار الإصابة به. 

في الأخبار