هل كان فرويد محقًا بشأن الأحلام؟ 

الدكتورة هبه الزعبي

الدكتورة هبه الزعبي

طبيبة

قد تُعبر الأحلام عن رغباتنا الخفية والمقموعة. إنها النظرية الأكثر شهرة - وربما الشائعة - للأحلام في العالم الغربي. في مطلع القرن الماضي، نشر سيجموند فرويد كتابه "تفسير الأحلام،" بحجة أن أحلامنا ليست سوى رغبات نتطلع إلى تحقيقها في حياتنا اليقظة. بعض هذه الرغبات بريئة نسبيًا، وفي هذه الحالات تصور أحلامنا الرغبة كما هي. ومع ذلك، هناك رغبات أخرى غير مقبولة تماماً بالنسبة لنا (مثل الدوافع الجنسية أو العدوانية التي لا يمكننا الاعتراف بها أو التصرف حيالها) والتي من الممكن أن تتجلى في أحلامنا.


عادةً ما يتم قمع مثل هذه الرغبات غير المقبولة من قِبَل العقل الواعي ولكنها تظهر في الأحلام وغالباً ما تكون غريبة. لكن فرويد قال إنه بمساعدة محلل نفسي، يمكن اكتشاف الرغبة وراء الحلم. عشرات النظريات حول السبب وراء أحلامنا موجودة الآن - من المساعدة في معالجة مشاعرنا وتعزيز الذكريات الجديدة إلى التمرين على المواقف الاجتماعية التي نواجهها أو الأحداث التي تهدد حالتنا النفسية. لكن لا توجد نظرية واحدة تهيمن الآن، كما فعلت نظرية فرويد. وعلى مدى العقد الماضي، بدأت سلسلة جديدة من التجارب تثبت أن جزءًا واحدًا على الأقل من نظرية فرويد كان صحيحًا وهو: أننا نحلم بأشياء نحاول أقصى جهدنا أن نخفيها ونتجاهلها. 


أولى هذه التجارب أثبتت أنه عندما نحاول جاهدين تجاهل أو قمع فكرة، غالبًا ما تستمر في العودة. وأشار الباحثون أن سبب حدوث ذلك هو أن لدينا عمليتين نفسيتين بداخلنا يعملان في نفس الوقت عندما نحاول قمع فكرة: عملية تكبح الأفكار بنشاط، وعملية مراقبة تراقب الأفكار المكبوتة. وبالتالي، فإن قمع الأفكار عملية معقدة ولا يمكن تحقيقها إلا عندما تعمل العمليتان معًا بتناغم. اقترح الباحثون أن هذه العمليات قد تفشل أثناء نوم حركة العين السريعة (REM). أثناء نوم حركة العين السريعة (REM)، الأجزاء من المخ اللازمة لقمع الأفكار - مثل تلك التي تشارك في الانتباه والتحكم والذاكرة العاملة - يتم تعطيلها. نحن نعلم أن عددًا كبيرًا من أحلامنا يأتي من نوم حركة العين السريعة (REM), لذلك افترض الباحثون أننا سنرى الكثير من الأفكار المكبوتة تظهر مرة أخرى في الأحلام.


ومن المثير للاهتمام، أن الباحثين تمكنوا من اختبار هذه الفكرة في عام ٢٠٠٤. خلال التجربة، طُلب من المشاركين تحديد شخص يعرفونه ومن ثم قضاء خمس دقائق في كتابة أفكارهم وما يتبادر إلى أذهانهم قبل الذهاب إلى الفراش في تلك الليلة. وتم إخبار المجموعة الأولى من هؤلاء المشاركين بعدم التفكير في هذا الشخص على وجه التحديد خلال خمس دقائق من كتابتهم لأفكارهم، في حين قيل لمجموعة ثانية أن تفكر تحديدًا فيه. وبالنسبة للمجموعة الثالثة، تم إخبارهم أن يفكروا فيما يريدون. عندما استيقظوا في الصباح، سجّلوا جميعًا كل الأحلام التي استطاعوا تذكّرها في تلك الليلة، وكانت النتائج واضحة: المشاركون الذين تلقوا تعليمات بقمع أفكارهم تجاه شخص معين حلموا به أكثر بكثير من المشاركين الذين تم توجيههم لتركيز أفكارهم على الشخص، ومن المشاركين الذين طُلب منهم التفكير فيما يريدون. وصف الباحثون هذه الحالة بأنها "تأثير ارتداد الحلم."


منذ تلك التجربة، تعلمنا الكثير عن تأثير ارتداد الحلم. على سبيل المثال، تم العثور على أن الأشخاص الأكثر عرضة بشكل عام لقمع أفكارهم، أنهم يختبرون المزيد من ارتداد الحلم، وأن قمع الأفكار لا يؤدي فقط إلى المزيد من الأحلام حولها، ولكن أيضًا إلى أحلام غير سارة. في بعض الأبحاث التي تم إجرائها مؤخرًا، وُجِد أن الأشخاص الذين يحاولون عمومًا قمع أفكارهم لا يحلمون فقط بتجاربهم العاطفية والحزينة من حياتهم الواقعية -وخاصة المواقف غير السار-ولكن لديهم أيضًا نوعية نوم أسوأ ومستويات أعلى من التوتر والقلق والاكتئاب من الآخرين. في الواقع، نحن نعلم الآن أن قمع الأفكار مرتبط بمجموعة كاملة من مخاوف الصحة العقلية.


ولهذا السبب، نحتاج حقًا إلى فهم أفضل لما يحدث لأفكارنا وما الذي نشعر به عندما نحاول قمع ما يدور بداخلنا. إن الاهتمام بأحلامنا يمكن أن يساعدنا في التعرف على الأشياء في حياتنا التي لا نوليها اهتمامًا كافيًا وتسبب لنا المشاكل. قد يعني هذا أن هناك ميزة لاستكشاف الأحلام إذا كنت تتلقى علاج نفسي. في الواقع، أظهرت الأبحاث الحديثة أن استكشاف الأحلام هو وسيلة فعالة للحصول على رؤية شخصية - داخل وخارج العلاج.


الحكم على نظرية فرويد:


لا تزال هناك الكثير من جوانب نظرية فرويد عن الحلم التي لم يتم اختبارها، أو من الصعب تجريبها. من الممكن مناقشة نظرية أن الأحلام تحتوي على رغباتنا وتلبيها بصورة خيالية، ولكن ليس من السهل إثباتها. في كتاباته اللاحقة، اعترف فرويد بأن النظرية لا يمكن أن تفسر جميع أنواع الأحلام، مثل الكوابيس المرتبطة باضطراب ما بعد الصدمة على سبيل المثال. تعمل نظريته أيضًا على أن يكون تفسير الحلم بعيدًا عن الحالم وبين يدي المحلل النفسي، وهو عادةً ما يتعارض مع المبادئ التوجيهية التي ينصح بها المحلل النفسي للحالم. ومع ذلك، فقد تعرضت بعض جوانب النظرية للتجربة - على سبيل المثال، الأحلام الناتجة عن نوم حركة العين السريعة مليئة بالتفاعلات العدوانية، والتي كان يمكن أن يستخدمها فرويد كدليل على النبضات العدوانية المكبوتة في أحلامنا.


لذا، في حين أن الإثبات الدقيق حول ما إذا كانت جميع جوانب نظرية فرويد حول الأحلام صحيحة أم لا، هو شيء غير واضح، لكن هناك جانب واحد على الأقل أثبت صحته. فبالفعل، الأحلام هي الطريق الأساسي إلى معرفة اللاوعي؛ حيث الأفكار المقموعة والمشاعر المدفونة.

في الأخبار