لماذا يؤمن الناس بعلم الفلك؟

الدكتورة هبه الزعبي

الدكتورة هبه الزعبي

طبيبة

انتعش علم الفلك بين أجيال الألفية مما جعله شكلًا شائعًا من أشكال التحليل الذاتي، ولكن هذا الاستخدام كان موجودًا منذ آلاف السنين، وهو مرتبط بجذور الثقافة الحديثة. في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، اكتسب علم الفلك شهرة في حركة العصر الجديد، مما أدى إلى ظهور علامات الأبراج. حيث أن الطفرة الأخيرة لهذا العلم جعلت كلمات مثل علامات الأبراج والتوافق في المفردات اليومية لملايين الأشخاص.

لماذا يؤمن الناس بعلم الفلك؟

 

حتى مع وجود العديد من مؤيدي علم الفلك، هناك العديد من الرافضين العازمين على انتقاد هذا العلم ووصفه بالزائف. فإذا لم تكن شخصًا يلقي باللوم على تقلبات مزاجك على النجوم أو تتحقق من مدى جودة التوافق الفلكي الذي يتمتع به شريكك معك، فربما تتساءل عن سبب كل تلك الضجة حول هذا العلم.

 

ما يفترض أن تفعله الأبراج هو تزويدك بمعلومات حول ما تفعله الكواكب الآن، وفي المستقبل، وكيف يؤثر كل ذلك على كل علامة. تشرح سوزان ميللر، عالمة الفلك الشهيرة التي أسست موقع Astrology Zone الإلكتروني: "فكر في الكواكب على أنها حفلة كوكتيل. قد يكون لديك ثلاثة أشخاص يتحدثون معًا، وقد يكون اثنان في الزاوية يتجادلان، قد يكون كوكب الزهرة والمريخ يقبلان بعضهما البعض. يجب أن تفهم تلك التغييرات الفلكية التي تحدث كل شهر من أجلك وتحللها" وتكمل حديثها: "يحاول علماء الفلك دائمًا تحويل هذه المفاهيم العملاقة إلى أجزاء معرفية قابلة للفهم، مما يسهّل على الأشخاص العاديين استيعابها والاستفادة منها في حياتهم"

 

لماذا يكرس الناس وقتًا كبيرًا لمتابعة أخبار هذا العلم الذي يتم السخرية منه على نطاق واسع؟

 

لكل شخص أسبابه الشخصية للجوء إلى علم الفلك، ولكن هناك بعض الأسباب الشائعة التي تجعل هذه الممارسة جديرة بالاهتمام. فيما يلي بعض الطرق التي يساعد بها علم الفلك الأشخاص الذين يؤمنون بقواه:

1- يساعدهم علم الفلك في التعامل مع القلق

 

الغموض الذي يجعل الناس يؤمنون بعلم الفلك ليس ظاهرة جديدة. في عام 1982، قامت دراسة باستنتاج أن القلق لعب دورًا مهمًا في ربط الناس بالتنبؤات الفلكية. ذكرت الدراسة أنه حتى الأشخاص الذين لا يؤمنون بعلم الفلك، من المحتمل أن ينظروا إلى النجوم للحصول على إجابات عندما تصبح الحياة معقدة. وكان من أكثر الأسباب شيوعًا لذلك هو التوتر المحيط بالعلاقات والأدوار الاجتماعية.

 

وفقًا لجمعية علم النفس الأمريكية، نحن نعيش في أوقات مسببة للتوتر والقلق، حيث أفاد 63% من الأمريكيين بأنهم قلقون للغاية بشأن مستقبل البلاد. يُعد جيل الألفية أكثر توترًا من الأجيال الأكبر سناً. عندما نقارن هذا ببيانات عام 1982، فليس من المستغرب أن الكثير من الناس يتطلعون إلى علم الفلك كوسيلة للتعامل مع مخاوفهم.

2- يساعدهم علم الفلك في التعامل مع الشك

 

تعطي التنبؤات الفلكية مستوى من الترتيب والتعريف للأوقات المربكة في الحياة. يبحث الكثيرون عن إجابات لأهم الأسئلة في الحياة من خلال فحص برجهم. لماذا؟ لأن الحياة مليئة بالشك ويمكن أن تحمل الكثير من الضغوط في بعض الأحيان.

 

من منا لن يستخدم علم الفلك للبحث عن بعض الإجابات؟ في تقرير أصدرته المجلة الشهرية الأمريكية The Atlantic، اعترف الأشخاص بأنهم وجدوا الراحة في معرفة ما قد يحمله مستقبلهم، وبالتالي يستخدمون علم الفلك. يمكن أن تساعد المعتقدات الفلكية في زيادة قوة تحمل الناس خلال الأوقات المظلمة من خلال محاولة التنبؤ بما يسبب الاضطراب لهم ومتى سينتهي. محبط أو تشعر بالخيبة؟ من المحتمل أن يكون ذلك بسبب رجوع عطارد. علاقتك انهارت؟ ربما يرجع ذلك إلى أنك لست متوافقًا مع شريكك من الناحية الفلكية.


 

3- يساعدهم علم الفلك في التحقق من العلاقات العاطفية والتوافق

 

من أكثر الأسباب الشائعة التي يلجأ الناس فيها إلى علم الفلك هي الاستشارات العاطفية. وفقًا لدراسة علم الفلك المستندة إلى بعض البيانات، تضاعفت عمليات البحث عن التوافق العاطفي أربع مرات بين عامي 2017 و 2018، حيث يتساءل هواة علم الفلك في أغلب الأحيان عن العلامات المتوافقة مع أبراج: الجوزاء، والعذراء، والأسد.

 

أدت شعبية علم الفلك إلى ظهور تطبيقات التوفيق بين النجوم، مثل SweetPea، حيث يمكن للمستخدمين ترك مصيرهم العاطفي في أيدي علامة الأبراج الخاصة بهم. لا يمكننا دائمًا التحكم في علاقاتنا الرومانسية، لكن هذا لا يمنعنا من المحاولة. يتيح لنا فحص علم الفلك معرفة توافقنا مع الأشخاص من أصحاب الأبراج المختلفة وكيفية جذبهم لنا.

 

4- يساعدهم على الفلك في الهروب من الواقع

 

بالنسبة للكثيرين، لا يعني الاهتمام بعلم الفلك بالضرورة الإيمان به. يمكن أن يكون علم الفلك ببساطة ملاذًا روحيًا من عالم يركز على البيانات والرقمنة. حيث أنها فرصة لاستبدال الواقع المليء بالضغوط بنوع مختلف من الحقائق. تهتم العديد من التحقيقات في علم الفلك بمحاولة الكشف عن زيف هذا العلم بدلًا من تحليل الهروب الذي يقدمه. ويجب التوضيح إلى أننا في هذه المقالة لا نجزم بشكل قاطع أن علم الفلك حقيقي أو مزيف ولكننا نناقش وجهات النظر المختلفة لمتابعينه.



وأخيرًا ينقسم الأشخاص في نظرتهم إلى علم الفلك إلى فريقين، فريق يوضح خلاله المختصون في هذا المجال، بأنّ تصديق علم الفلك أسهل بكثير من تصديق علم النفس، لأنه يستخدم الحسابات، ولأن الأرقام بالنسبة إلى الإنسان المعاصر قريبة أكثر للقياس عن النظريّات الأخرى. وفريق آخر تمثله عالمة الفلك "آنابيل جات" التي توضح الآتي: "نحن نأخذ علم الفلك على محمل الجد، ولكننا أيضًا لا نؤمن به بالضرورة. لأنه أداة للتأمل الذاتي، وليس دينًا أو علمًا. إنه مجرد طريقة للنظر إلى العالم وطريقة للتفكير في الأشياء." 

 

وتظل مسألة الفلك حاضرةً عند الكثيرين، وعند مختلف الشعوب والحضارات، لا فرق في ذلك بين المجتمعات المتقدّمة وغيرها، فهذا كله يعود إلى مستوى وعي المرء ونظرته إلى الأمور، ومدى إيمانه العقلاني وقراءته السليمة لما يجري عليه من أحداث ينبغي تعليلها بحسب مسبباتها الطبيعية والموضوعية.

في الأخبار