
علّمتنا أزمة فيروس كورونا والإغلاق الكامل الذي يعيشه العالم أنه يمكننا العمل من المنزل، إلا أننا لا نريد ذلك دائمًا. تحدد المكاتب التواصل البشري الحقيقي، وتوفر بيئة خالية من عوامل التشتيت المنزلية، وتضعنا في "وضع العمل" ولا شئ غيره. ولكن بالرغم من مميزات المكاتب وما توفره من بيئة عملية إلا أن معظمها غير معقم وغير صحي. حيث تكشف إحدى الدراسات أن المكتب يحتوي على 400 مرة من كمية البكتيريا الموجودة في مقعد المرحاض، والمرعب أن 67% من الموظفين يتناولون الغداء على هذه المكاتب.
ومن جهة أصحاب الشركات، فلن يؤدي الحرص الزائد حول النظافة في مكان العمل إلى جذب الموظفين وموافقتهم على قرارات الرجوع مرة أخرى للمكاتب أو لرفع إنتاجيتهم وكفاءتهم في العمل. وذلك لخوفهم من الفيروس والاختلاط مع بعضهم البعض. لذلك، بينما نتعلم التكيف مع تهديد فيروس كورونا من ناحية ورغبة بعض أصحاب العمل في عودة موظفينهم إلى المكاتب من ناحية أخرى، يجب إعادة تشكيل وتصميم المكاتب وتخصيص مساحات بينهم لجعل الموظفين يشعرون بالثقة بإنه ليس هناك خطر على صحتهم، لذلك فإن مصممي مساحات العمل لديهم دور مهم يلعبونه في هذا الوقت.
يقول "مورتن ميسنر-جنسن" أحد مؤسسي شركة ROOM -وهي شركة ناشئة مسئولة عن توفير أماكن للعمل لأصحاب المشاريع الصغيرة وغيرهم من الموظفين بأسعار معقولة- "إن فترة العمل القسري من المنزل رفعت المستوى الذي يجب أن تكون عليه المكاتب من حيث النظافة والأمان. وعلى الشركات العمل على جعل المكاتب أكثر جاذبية وأكثر راحة من الجانب النفسي، وبالتالي يتمكن الأفراد من اختيار العمل في المكتب عن المنزل من خلال جعله أكثر ملائمة لسلامتهم وإنتاجيتهم." ويوضح "مورتن" أيضًا أن المستقبل في العمل لن يكون 100% بمجهود إفتراضي ولا 100% بمجهود شخصي، كمان أن العمل بعد هذه الأزمة لن يكون طوال العام في المكتب أو بدوام كامل من المنزل. سيحتاج الوضع الجديد إلى التفكير في اتباع نهج جديد ومختلط. وبالتالي ستواجه الشركات تحدي يتمثل في جعل المكتب ملهمًا وجذابًا وآمنًا.
يوافق "براين باركر" مدير شركة Cooper Carry للهندسة المعمارية، على الرأي السابق. حيث يقول: "أن المكاتب أصبحت مساحات "للبشر أولًا" –قبل العمل- مع إدراج بعض العناصر الأخرى مثل الضوء والهواء." ويضيف أيضًا "ستكون الإنتاجية في أعلى مستوياتها بسبب أن طريقة ومساحات العمل الجديدة ستسمح لكل موظف بتنظيم أسبوعه والتأكد من أن بيئة عمله مصممة خصيصًا للمهام المحددة التي يحتاج إلى إكمالها."
النظافة أولًا
تقول "آفيا هيرشكوفيتز" مديرة التصميم والإبداع في Mindspace –وهو واحد من الأماكن التي توفر للموظفين ورواد الأعمال بيئة مناسبة للعمل– "أن الاهتمام بالأمان والنظافة وتحسينهما سيساعد الناس على الشعور بالاطمئان الذهني وبالتالي زيادة الإنتاجية. وأنه في المستقبل، ستستطيع المكاتب الرائعة في تصميمها أن تُسهّل على موظفي الصيانة التنظيف والتنظيم وتوزيع الهواء بشكل جيد فيها."
وتعتقد "هيرشكوفيتز" أيضًا أن التكنولوجيا الذكية ستصبح جزءًا كبيرًا في موازنة التصميم والنظافة الجيدة، على سبيل المثال، تكنولوجيا التعرف على الصوت لإنشاء بيئة لا تعمل باللمس -وبالتالي تقليل أي نوع من أنواع العدوى-. وأن مساحات العمل المشترك قد تتحول أكثر إلى نماذج "المجتمعات الجماعية." نظرًا لأن الشركات تسمح لمزيد من الأشخاص بالعمل من المنزل، وفي نفس الوقت إعادة تنظيم مساحتهم الحالية لاستيعاب عدد أقل من الأشخاص في وقت واحد."
وتختم "هيرشكوفيتز" كلامها "بأنه على الرغم من أن هذه الاجراءات تعني أن مجتمعات العمل ستكون أكثر عزلة، بسبب تقليل عدد الموظفين وبالتالي تقليل عدد التفاعلات مع الناس، إلا أنها ستكون أكثر أمانًا."
فكر على المدى القصير والطويل
وفي إطار محاولة الخروج من هذه الأزمة بأقل الخسائر، يقترح "باركر" أن تعمل الشركات على جدولين زمنيين، وأكثر الجدولين إلحاحًا هي فترة ما قبل إيجاد اللقاح التي نعيشها الآن. حيث يقول "هناك ثرثرة كبيرة في وسائل الإعلام ومجتمع التصميم الآن حول تخطيطات المكاتب لخلق كثافة أقل في حيز مساحة أكبر." وتستكمل "باركر": "هذه كلها موضوعات رائعة، ومهمة للغاية يجب وضعها في الاعتبار ولكنها مجرد تقنيات تخفيف قصيرة المدى لمساعدة الشركات في العثور على الطريقة الأكثر آمانًا لموظفيها لتمكينهم من العودة إلى المكاتب في ظل الظروف الحالية."
أما في المرحلة الثانية التي أشار إليها "باركر" سابقًا، والتي ستأتي بعد اللقاح، ستظل فرص العمل عن بُعد في مكانها، ويمكن استغلال المساحات التي وفرتها قلة الموظفين العاملين في المكاتب، لاستيعاب أنواع المساحات والتفاعلات التي لا يمكن أن تتم عبر تطبيق Zoom."
ويوضح "باركر": "أن الخطوة السابقة ستقوم بتوسيع نطاق التعاون المشترك ومساحات الاجتماعات التي تسمح للموظفين بالاجتماع في المكتب للتفاعل والابتكار عن قرب أكثر. يجب أن تستوعب المساحات الجديدة للمكاتب جميع تلك المهام الأخرى التي تتسم بالكفاءة ولا يمكن القيام بها في أي مكان غير المساحة المخصصة لها في المكتب." أما "مورتن ميسنر-جنسن" فيعتقد أن النموذجية والمرونة سيكونان عاملين حاسمين بشكل فعال بالنسبة للمكاتب والشركات في المستقبل. ويقول: "المكتب لم يعد شيئًا تصممه لفترة زمنية محددة لأداء أغراض محددة. يجب أن يتم تصميم المكاتب بشكل هادف مع بنية مرنة للتنقل ويمكن أن تتكيف مع تغيّر احتياجات الشركة والموظف وأيضًا العوامل الخارجية المتقلبة."
جميعنا استغربنا في البداية جملة "العمل من المنزل،" ففكرة أن جزء منك في العمل والجزء الآخر في غرفة نومك لم يكن بالأمر السهل استيعابه وتطبيقه أيضًا. ولكن بعد تجارب في مجالات مختلفة، وُجدّ أن العمل من المنزل هو أكثر حل آمن -في ظل تفشي فيروس كورونا- للموظفين والشركات أيضًا، كما أن دراسات مختلفة تم إجرائها أثبتت أن إنتاجية الموظفين ازدادت مع الأوضاع الجديدة واستطاع أصحاب الشركات وموظفيها توفير مناخ جيد للعمل خارج المكاتب، من خلال الشاشات الرقمية، والذي اعتبره الخبراء الحل الأمثل لحين التخلص من الفيروس في القريب العاجل والعودة للعمل بشكل طبيعي من المكاتب مرة أخرى.