
"الحفاظ على ثقافة فعالة في العمل أمر في غاية الأهمية لدرجة أنه، في الواقع، يتفوق حتى على الاستراتيجية." هذا الاقتباس من الأستاذ الفخري في كلية إدارة الأعمال بجامعة هارفارد "هوارد ستيفنسون" يجعلنا نتسائل: كم منّا عمل في أي وقت مضى في شركة لديها حقًا ثقافة تلهم الموظفين بالتحفيز والابتكار؟ ومفهوم الثقافة هنا يُعني: "المعتقدات والسلوكيات التي تحدد الأخلاقيات التي تحكم تعامل الموظفين والإدارة في الشركة." ويعد البحث عن مثل هذه الثقافة هو ما قد يجعل الكثيرون يقومون بترك الشركات التي يعملون بها للبحث عنها. التصور هو أنه من الأسهل العثور على مثل هذه الثقافة في شركة صغيرة ناشئة. في تجربتي، ليس هذا هو الحال دائمًا، يعتمد إيجاد ثقافة عمل لدى الشركات على القيادة وما إذا كانوا يطبقون ثقافتهم ويشجعون موظفيهم على فعل الشيء نفسه. مجرد وجود بيان المهمة أو قيم الشركة (ولكن التصرف بطريقة تتعارض مع ذلك) لا يكفي.
يكمن التحدي في أن قادة الشركات الناشئة غالبًا ما يتشتت انتباههم بأشياء أخرى، مثل العمليات اليومية، وجمع التبرعات، وما إلى ذلك، ويمكن أن يقع موظفوهم في أسفل هذه القائمة. ومع ذلك، فإن عدم وجود تدريب وتوجيه مناسبين، وعدم وجود فرصة لإحداث تأثير فعلي، سيؤدي إلى جعل الموظفين غير متمكنين، ومن المحتمل أن ينتهي بهم الأمر بترك العمل.
تؤدي الثقافة القوية للشركة إلى موظفين متحمسين باستمرار يمكنهم التنبؤ بالأداء المالي الحالي والمستقبلي. فقد أظهرت دراسة أجراها بروفيسور "دانيال ر. دينيسون" وبروفيسور "أنيل ك. ميشرا" في عام 1995، أنه يمكن أن تكون هذه الثقافة جزءًا لا يتجزأ من عملية التغيير المستمرة، (جميع الشركات في حالة تغير مستمر، وتستمر وتيرة التغيير في التسارع كل مدى بشكل كبير) ويمكن لبعض سمات الثقافة الإيجابية أن تتنبأ بأداء المنظمة وفعاليتها.
السؤال الآن: كيف يمكنك بناء ثقافة قوية تكون حجر أساس نجاحك المستقبلي؟ فيما يلي أربع أفكار:
1- بناء ثقافة التجربة والخطأ
من أجل المنافسة في عالم سريع التغير، تحتاج الشركة إلى أن تكون قادرة على الابتكار. بغض النظر عن مدى تقليدية الشركة، إذا كنت لا تستطيع الابتكار، فلا يوجد ضمان بأنه سيظل هناك حاجة إليك بعد 10 سنوات من الآن. وللحفاظ على هذا الابتكار بشكل مستمر، فأنت بحاجة إلى قوة عاملة يمكنها دعم ذلك.
إذا كانت لديك "ثقافة إلقاء اللوم" داخل المنظمة، فلن تكون قادرًا على الابتكار. سيكون موظفوك خائفين من تجربة أفكار جديدة أو الفشل وارتكاب أخطاء لأنهم يخشون عواقب ما قد يحدث إذا فعلوا ذلك. ومع ذلك، إذا كان لديك بيئة توضح أن الأفكار والابتكار جزء أساسي من الثقافة، فهذا يمنح الموظفين حرية الابتكار. حيث أنهم إذا ارتكبوا أخطاء، سوف يتم تشجيعهم على التعلم منها والاستمرار في المحاولة حتى يصلوا إلى شيءٍ ناجحٍ. فقد ثُبت أننا نتعلم من أخطائنا أكثر من نجاحاتنا. كما أن هذا ينطوي على تغيير الطريقة التي نقيّم بها موظفينا.
2- بناء الشركة من القادة
لا يجب أن تكون القيادة محجوزة لأولئك الذين لديهم المسمى الوظيفي المناسب، والذين يجلسون في الجزء الرئاسي العلوي من المؤسسة. يتمتع كل فرد داخل المؤسسة بالقدرة على أن يكون قائدًا فريدًا مع مساهماته الفريدة. تتعلق القيادة بتحمل المسؤولية عن نفسك، وتحميل نفسك وفريقك المسؤولية. وأن يلعب كل موظف دوره في دفع رؤية الشركة وأهدافها إلى الأمام، وهذا هو سبب أهمية توصيل هذه الرؤية بوضوح.
إذا شعر الموظف أن صوته مهم ومسموع، وأنه يستطيع حقًا إحداث تأثير داخل الشركة والمساهمة في الابتكار، فسيكون مصدر إلهام وتحفيز. هذا يعني أكثر من مجرد وجود صندوق اقتراح في الشركة، إنه يعني أن الأفكار يتم النظر فيها بشكل نشِط واختيارها من قِبل القيادة لتجربتها عند الحاجة.
3- الاستثمار في التعليم والتطوير
إذا كنت تتطلع إلى جذب أفضل المواهب في شركتك، فيمكنك أن تتوقع أنهم سيرغبون في التعلم المستمر وتطوير مهاراتهم. إن أخذ الوقت الكافي لفهم نوع التدريب الذي يريده موظفوك ويحتاجونه، ودعمهم في ذلك، يُظهر أنك تهتم بمساعدتهم لكي يستطيعوا أن يتطوروا أكثر. قد يتضمن هذا أيضًا دفع موظفيك خارج مناطق الراحة الخاصة بهم ومساعدتهم على تطوير مهارات قيمة تكون تقنيًا خارج نطاق عملهم الأساسي. على سبيل المثال، يمكنك تشجيع علماء الأبحاث على أن يصبحوا أكثر إبداعًا بحيث يفكرون بشكل مختلف ويخرجوا بحلول أكثر ابتكارًا للمشكلات. ستتم مكافأتك للإيمان بموظفيك والاستثمار في إمكاناتهم، بمزيد من ولاء الموظفين وتفانيهم في التأثير بشكل إيجابي على الشركة.
4- الشفافية والتواصل
التواصل هو المحور الأساسي الذي يسمح للأفكار الأخرى التي ذكرناها بأن تصبح جزءًا جوهريًا من ثقافة المنظمة. فالتواصل الحقيقي يبني الثقة، ويمكنّك أيضًا من معرفة متى يكون القائد صادقًا ولديه نوايا إيجابية حقيقية. أما عن الثقة، فهي أساس كل العلاقات الإيجابية باختلاف أنواعها. وداخل الثقافة، هذا ليس استثناء. التواصل الواضح والمفتوح يبني هذا الإحساس بالعلاقات الطيبة. فكرة أننا جميعًا في هذا معًا، كفريق واحد ومهمة واحدة، كل منّا له دور مميز يلعبه وتوقعات واضحة بناءً على مهاراتنا ومواهبنا. كما أنه يجعل الموظف أكثر راحة في توصيل رغباته واحتياجاته واستكشاف كيفية توافق ذلك مع الشركة.
نحن بحاجة إلى أن نكون أذكياء في المستقبل لتحقيق التقدم. الثقافة فريدة لكل منظمة وكل قائد، ولكن هناك جوانب للشركات الناجحة ذات الثقافات القوية والإيجابية التي يمكنك التعلم منها. بعد قراءة هذه المقال، إذا كنت، كصاحب شركة، تطمح إلى أن تكون موجودًا في غضون خمس سنوات قادمة، فهل يمكنك تجاهل الثقافة؟ أم أنه حان الوقت لتخصص مساحة قيّمة لها؟