
لم تتذكر تلك السيدة الجميلة أي شيء عن طفولتها سوى أنها لم تكن سعيدة في تلك الفترة من حياتها. حتى أنها لم تتذكر مرحلة ما من مراحل حياتها مرت وهي سعيدة وفخورة بذاتها. دائمًا، في كل مرحلة، كانت ترى السيء في ذاتها، حتى وإن كان ليس سيئًا بالفعل. كل شيء يخصها كانت تراه على أنه ناقص. هناك شيء ما يجعلها دائمًا تشعر بتلك الأحاسيس السيئة تجاه نفسها. مشاعر تتراكم من كل مرحلة إلى أخرى، وفي كل مرة تنتقل من واحدة إلى الأخرى كانت تعتقد أن كل الأحاسيس تلك ستزول، ولكن للأسف لم تكن على حق، دائمًا كان هناك شيء ما، شيء ما ينغص عليها حياتها. كانت دائمًا تقسو على نفسها، ولا تعرف معنى التراحم الذاتي.
ما هو التراحم الذاتي؟
التراحم الذاتي، هو أحد أهم أشكال الحب، من الأساسيات التي يحتاجها كل إنسان كي يعيش حياة صحية، وهو أمر ضروري لسلامة الشخص النفسية والبدنية والعاطفية. ولكن للأسف يفتقد العديد من الأشخاص إلى ذلك الأمر في حياتهم، وخصوصًا الذين لم يحصلوا على حب واهتمام في الصغر. عندما تعود تقريبًا إلى تاريخ كل شخص يعاني من انعدام التراحم الذاتي، ستجده يفتقر إلى حب واهتمام الوالدين.
ما هو النقد الذاتي؟
تلك العبارات السيئة التي كانت تقال لك في الصغر، كلها، ستجدها تنقلب عليك في الكبر، وبسببها تلتصق بالنقد الذاتي. النقد الذاتي، العادة السامة، التي تجعل صاحبها يقول لنفسه دائمًا "أنت لست جيدًا بما يكفي،" والتي تُصوّر لصاحبها دائمًا أن كل النكسات التي يتعرض إليها في حياته بسبب شخصيته وعيوبها المدمرة. فالطفل الذي كان يصفه والداه بالأناني والغبي وغيرها من الصفات السيئة، على عكس الطفل الذي يحصل على كلمات التشجيع ويصفه أهله بصفات جميلة، يصدق تلك الصفات وتبقى في رأسه، تحفر كالسوس، إلى نهاية العمر.

النقد الذاتي له أمثلة عدة تظهر بوضوح في المواقف المختلفة في الحياة على أصحابها، على سبيل المثال: "لم أنجح في الحصول على الترقية، لأني لست أفضل من باقي زملاء العمل ولا أملك ما يلزم." "فشلت في علاقتي العاطفية، لأنه استطاع أن يرى ما بداخلي، كل شيء بداخلي سيء للغاية،" إلى أخره…
الفرق بين التفكير النقدي والنقد الذاتي
إذا كنت تفكر الآن أن ليس بالضرورة التفكير في قدراتك والالتزام بالتفكير الواقعي في قياسها وتحمل مسؤولية الفشل أن يكونوا شيئًا سيئًا، فأحب أن أقول لك، نعم عزيزي القارئ، فهذا ليس نهجًا سيئًا، ولكن هذا ليس النقد الذاتي.
الأشخاص الذين حصلوا على الحب والاهتمام، ونموا بشكل طبيعي وسط عائلة تشجعهم وتدعمهم، تجدهم بشكل دوري يقيمون ذاتهم بعد أي نكسة أو فشل في حياتهم، ولا يركزون على صفاتهم وعيوبهم على أنها السبب وراء هذا الفشل، بل يقيمون أدائهم بشكل عام، ويحاولون أن يروا الصورة من الخارج، ويركزون على العناصر التي ساهمت في الحصول على تلك النتيجة. كما أنهم يحللون الأمر ليصلوا إلى الطريقة الفضلى التي كان من الممكن اتباعها في الموقف ويأخذون في الاعتبار عناصر الموقف التي ليس لهم يد فيها. وهذا ما يعرف بالتفكير النقدي، المختلف تمامًا عن النقد الذاتي.
لماذا التراحم الذاتي صعبًا على من لم يحصل على الدعم في الصغر؟
بالإضافة إلى كل ما ذكرناه من قبل عن النقد الذاتي وعدم الدعم الذي لم يحصل عليه الشخص في مرحلة الطفولة، واجه الشخص الغير مدعوم بأحبائه مشكلة أكبر في طفولته، وهي الاعتقاد بأنه ليس مختلفًا في شيء ما، مثل باقي الأطفال المدعومين بالحب من أهلهم، ليحصل على ما يحصلون عليه من حب. هو مازال يؤمن بأسطورة الأم، أن الأم تحب دون شرط أو قيد، فيشعر أن هناك خطب ما به، غير صحيح، يجعله يشعر أنه لا يستحق الحصول على الحب والدعم مثل باقي الأطفال. وهذا غير صحيح بالمرة، لذلك يجب على من مر بكل تلك الأحاسيس أن يحلل الأمر ليتأكد أن الأمر لم يكن له علاقة به منذ البداية.
جوهر التراحم الذاتي
كريستن نيف، أستاذ مساعد في قسم علم النفس التربوي بجامعة تكساس، ألقت الضوء على جوهر التراحم الذاتي عن طريق رسم ثلاث خطوات أساسية تؤكد على أن هذا المنظور لا يختلف تمامًا فقط عن النقد الذاتي ولكن أيضًا عن الشفقة. التراحم الذاتي بالنسبة لها لا يعني أن ترى نفسك غريبًا ومختلفًا عن الآخرين عندما يتعلق الأمر بالحب والدعم، ولكن أن تنظر إلى نفسك على أنك في سياق أوسع، في البشرية. فأنت تحتاج مثل الآخرين إلى الحب والاهتمام، فتعامل مع نفسك على أنك الشخص الآخر الذي يحتاج منك هذا الدعم والحب والاهتمام.
ثلاث خطوات كريستين نيف للتراحم الذاتي
- أن تتعامل بلطف وتفهّم مع نفسك، بدلًا من الحكم والنقد.
- أن تنظر إلى تجربتك على أنها تتماشى مع التجربة الإنسانية وجزء منها.
- أن تُبقى نفسك على دراية بمشاعرك المؤلمة، دون الإفراط في تحديد هويتها.
ما هي الخطوات التي يمكن أن توجهك نحو التراحم الذاتي؟
أن تكون واعيًا لكل ما يدور في اللاوعي الخاص بك هي الخطوة الأولى لاجتثاث هذه السلوكيات القديمة.
- انتبه إلى تفاعلك في المواقف: اسمع الصوت الذي يتردد في رأسك عندما لا تسير الأمور مثل المتوقع، وصحح رأيك الداخلي عن طريق تذكير نفسك بعدم الانخراط في النقد الذاتي. وإذا كنت بمفردك، يُفضل أن ترد بصوت عالي على الانتقادات.
- لاحظ رد فعلك في الثناء والمديح: إذا تجاهلت مجاملة تتلقاها من شخص ما أو فكرت للحظة أنك لا تستحقها، أعلم أن هذا شكل أخر من أشكال النقد الذاتي.
- حاول أن ترى نفسك بشكل صحيح عندما تسير الأمور بشكل سيء: في هذه الخطوة، حاول أن تتحكم في مشاعرك عندما تسير الأمور بشكل خاطئ، سواء في موقف صغير أو حتى كبير يسبب لك الإزعاج. وتتبع ردة فعلك عن طريق تدوينها في دفتر يومياتك كي تتعرف بشكل واضح عما تشعر به، فهذا جزء أساسي من الذكاء العاطفي.
في النهاية، أنت تستحق عزيزي القارئ أن تحصل على الحب والدعم اللذين لم تحصل عليهما من قبل، لا تنتظر من يُكمّل لك النقص الذي بداخلك. أنظر إلى نفسك وكأنك الشخص الذي تنتظره، أنت الشخص الذي سيعطيك ما كنت تبحث عنه طوال حياتك، أنت بطل حياتك.