
آليات الدفاع هي سلوكيات يستخدمها الناس لفصل أنفسهم عن الأحداث أو الأفعال أو الأفكار غير السارة. قد تساعد هذه الاستراتيجيات النفسية الأشخاص على وضع مسافة بينهم وبين التهديدات أو المشاعر غير المرغوب فيها، مثل الشعور بالذنب أو الحزن أو العار. تأتي فكرة آليات الدفاع من نظرية التحليل النفسي، وهو منظور نفسي للشخصية يرى أن الشخصية هي التفاعل بين المكونات الثلاثة: الهو والأنا والأنا العليا.
اقترحت آنا سيغموند فرويد، من أوائل مؤسسي التحليل النفسي للطفل، هذه النظرية وقد تطورت بمرور الوقت. هذه النظرية تؤكد أن السلوكيات، مثل آليات الدفاع، ليست تحت سيطرة العقل الواعي. في الواقع، معظم الناس يقومون بذلك دون إدراك الاستراتيجية التي يستخدمونها. آليات الدفاع هي جزء طبيعي من التطور النفسي، ويمكن أن يساعدك فهم الاستراتيجية التي تستخدمها ومعرفتك لأنواع آليات الدفاع النفسي على فهم نفسك ومن حولك أكثر.
فيما يلي بعض آليات الدفاع الشائعة:
1- الإنكار (Denial)
الإنكار هو أحد أكثر آليات الدفاع شيوعًا، ويحدث ذلك عندما ترفض قبول الواقع أو الحقائق. وبدون أن تكون واعياً بفعل ذلك، تُحظر الأحداث أو الظروف الخارجية من قبل عقلك حتى لا تضطر إلى التعامل مع التأثير العاطفي. بعبارة أخرى، تتجنب المشاعر أو الأحداث المؤلمة. آلية الدفاع هذه هي واحدة من أكثر الآليات المعروفة على نطاق واسع. تُفهم عبارة "إنهم في حالة إنكار" بشكل شائع على أنها تعني أن الشخص يتجنب الواقع على الرغم مما قد يكون واضحًا للأشخاص من حولهم.
2- القمع (Repression)
يمكن أن تزعجك الأفكار البغيضة أو الذكريات المؤلمة أو المعتقدات غير العقلانية. بدلًا من مواجهتها، قد تختار إخفاءها دون وعي على أمل نسيانها تمامًا، لكن هذا لا يعني أن الذكريات تختفي تمامًا. قد تؤثر على سلوكياتك، وقد تؤثر على العلاقات المستقبلية، وقد لا تدرك تأثير آلية الدفاع هذه.
3- الإسقاط (Projection)
بعض الأفكار أو المشاعر التي لديك حول شخص آخر قد تجعلك غير مرتاح، وإذا عرضت هذه المشاعر، فأنت تُسيء إسنادها إلى الشخص الآخر. على سبيل المثال، قد تكره زميلك الجديد, ولكن بدلاً من قبول ذلك، تختار أن تُخبر نفسك أنه هو من يكرهك، وترى في أفعالهم الأشياء التي تتمنى أن تفعلها أو تقولها.
4- الإزاحة (Displacement)
تقوم بتوجيه مشاعر غضبك و إحباطك القوية تجاه شخص أو شيء لا تشعر بالتهديد منه. هذا يسمح لك بتلبية الدافع للرد، وفي نفس الوقت، لا تخاطر بعواقب كبيرة لما تقول أو تفعل. من الأمثلة الجيدة على آلية الدفاع هذه الغضب على طفلك أو زوجتك لأنه كان لديك يوم سيء في العمل. لا يكون أي من هؤلاء الأشخاص هدفًا لمشاعرك القوية، ولكن رد الفعل عليهم قد يكون أقل إشكالية من رد الفعل تجاه رئيسك في العمل.
5- النكوص (Regression)
بعض الأشخاص الذين يشعرون بالتهديد أو القلق قد "يهربون" دون وعي إلى مرحلة سابقة من التطور. قد يكون هذا النوع من آلية الدفاع أكثر وضوحا في الأطفال الصغار. إذا أصيبوا بصدمة أو خسارة، فقد يتصرفون فجأة كما لو كانوا أصغر سناً مرة أخرى. قد يبدأون حتى في ترطيب السرير أو مص إبهامهم. يمكن للبالغين أيضاً الذين يكافحون من أجل التعامل مع الأحداث أو السلوكيات أن يعودوا إلى النوم مع حيوان محشو، أو الإفراط في تناول الأطعمة التي يجدونها مريحة، أو يبدأون في التدخين أو مضغ الأقلام الرصاص أو الأقلام. قد يتجنبون أيضًا الأنشطة اليومية لأنهم يشعرون بالارتباك.
6- التبرير (Rationalization)
قد يحاول بعض الأشخاص شرح السلوكيات غير المرغوب فيها بمجموعة "الحقائق" الخاصة بهم. يتيح لهم ذلك الشعور بالراحة تجاه الاختيار الذي قاموا به، حتى إذا كانوا يعلمون أن هذا الاختيار ليس صحيحًا. على سبيل المثال، الأشخاص الذين قد يكونون غاضبين من زملاء العمل لعدم إكمال العمل في الوقت المحدد يمكن أن يتجاهلوا حقيقة أنهم هم أيضاً متأخرون.
7- التسامي (Sublimation)
يعتبر هذا النوع من آليات الدفاع استراتيجية إيجابية، وذلك لأن الأشخاص الذين يعتمدون عليها يختارون إعادة توجيه العواطف أو المشاعر القوية إلى شيء أو نشاط مناسب وآمن. على سبيل المثال، بدلاً من انتقاد موظفيك، تختار توجيه إحباطك إلى الملاكمة أو ممارسة الرياضة. يمكنك أيضًا توجيه أو إعادة توجيه مشاعر الحزن إلى الموسيقى أو الفن أو الرياضة.
8- التكوين العكسي (Reaction formation)
يدرك الأشخاص الذين يستخدمون آلية الدفاع هذه كيف يشعرون، لكنهم يختارون أن يتصرفوا بالطريقة المعاكسة لغرائزهم. قد يشعر الشخص الذي يتفاعل بهذه الطريقة، على سبيل المثال، أنه لا يجب عليه التعبير عن المشاعر السلبية، مثل الغضب أو الإحباط، ويختار بدلاً من ذلك أن يتفاعل بطريقة إيجابية للغاية. حيث يقوم الشخص بفعل عكس ما يشعر، مثل إظهار سعادة مفرطة في حين أنه يشعر بالإحباط.
9- التقسيم (Compartmentalization)
قد يبدو فصل حياتك إلى أقسام مستقلة عن بعضها طريقة لحماية كل جانب من الآخر ومنع تأثرهم ببعض. على سبيل المثال، عندما تختار عدم مناقشة حياتك الشخصية في العمل، فإنك تحجب أو تقسم هذا العنصر من حياتك. يسمح لك ذلك بالاستمرار دون مواجهة القلق أو الحزن أثناء وجودك في العمل.
10- الاستذهان (Intellectualization)
تقلل آلية الدفاع هذه من حدة القلق عبر استعراض الأحداث من منظورٍ تحليلي وعقلاني. فَتتيح لنا أَن نتجنب التفكير بالجانب العاطفي المُرهِق لموقفٍ ما، لنصُب كامل تركيزنا على الجانب العقلاني منه. فقد يُركز فرد مصاب بمرضٍ مميت على تثقيف نفسه حول ذاك المرض، ليتفادى مشاعر الصدمة والمعاناة، وليبقى في معزلٍ عن حقيقة وضعه.
علاج آليات الدفاع غير الصحية:
يمكن النظر إلى آليات الدفاع على أنها نوع من خداع الذات، قد تستخدمها لإخفاء ردود الفعل العاطفية التي لا تريد التعامل معها بينك وبين نفسك. ويتم ذلك في الغالب على مستوى اللاوعي، لذلك أنت لا تدرك دائمًا الطريقة التي سيستجيب بها عقلك. ولكن هذا لا يعني أنه لا يمكنك تعديل أو تغيير السلوك. في الواقع، يمكنك تحويل آليات الدفاع غير الصحية إلى آليات أكثر إيجابية. على سبيل المثال:
- يمكن أن يساعدك الأصدقاء وأفراد العائلة في التعرف على الآليات. من خلال لفت الانتباه إلى خداع الذات، يمكنهم مساعدتك في تحديد اللحظة التي تتخذ فيها دون وعي خيارًا غير صحي. يتيح لك ذلك أن يقرر وعيك ما تريد حقاً فعله.
- قد يساعدك العلاج مع خبير في الصحة العقلية، مثل معالج نفسي أو طبيب نفسي، على التعرف على آليات الدفاع التي تستخدمها كثيرًا. يمكنهم بعد ذلك مساعدتك على تعلم الاستجابات النشطة لاتخاذ الخيارات الصحيحة على مستوى أكثر وعيًا و تجنب الانغماس في آليات خداع الذات السلبية.

آليات الدفاع تعد طبيعية وشائعة جداً بين العديد من الناس، غالبًا ما يتم استخدامها دون أي مضاعفات أو مشكلات طويلة المدى. ومع ذلك، يعاني بعض الأشخاص من صعوبات عاطفية إذا استمروا في استخدام هذه الآليات دون التعامل مع التهديد أو القلق الكامن الذي يواجهونه. لذلك، يركز العلاج على مساعدتك في معالجة المشكلات باستخدام وعيك، وليس اللاوعي الذي يتحايل على عقلك.