كيف يمكن للاستماع إلى الموسيقى أن يكون له فوائد نفسية؟

الدكتورة هبه الزعبي

الدكتورة هبه الزعبي

طبيبة

يمكن أن يكون الاستماع إلى الموسيقى مُسليًا، وتقترح بعض الأبحاث أنه قد يجعلك أكثر صحة. حيث أن الموسيقى يمكن أن تكون مصدرًا للمتعة والرضا الداخلي، ولكنها لها أيضًا العديد من الفوائد النفسية الأخرى. ربما لا تعد فكرة أن الموسيقى يمكن أن تؤثر على أفكارك ومشاعرك وسلوكياتك مفاجأة. فالكثير قد يشعر بالرغبة في البكاء أو تتحرك مشاعره عند الاستماع إلى نوع معين من الموسيقى، وذلك دليلًا على قوة تأثير الموسيقى على المشاعر والحالة المزاجية.

يمكن أن تكون الآثار النفسية للموسيقى قوية وواسعة النطاق. ويعد العلاج بالموسيقى هو تدخل يستخدم أحيانًا لتعزيز الصحة العاطفية، ومساعدة المرضى على التعامل مع الضغط، وتعزيز الصحة النفسية. كما تشير بعض الأبحاث إلى أن ذوقك في الموسيقى يمكن أن يعطي نظرة ثاقبة لجوانب مختلفة من شخصيتك. ويمكن للموسيقى أيضًا أن تريح العقل، وتُنشط الجسم، وحتى أنها تساعد الناس على إدارة الألم بشكل أفضل. إذن ما هي الفوائد الأخرى التي قد توفرها الموسيقى؟

1- يمكن للموسيقى تحسين أدائك المعرفي

 

تشير الأبحاث إلى أن الموسيقى التي يتم تشغيلها في الخلفية، أو الموسيقى التي يتم تشغيلها أثناء تركيز المستمع بشكل أساسي على نشاط آخر، يمكن أن تُحسن الأداء في المهام المعرفية. لذلك، في المرة القادمة التي تعمل فيها على مهمة ما، ضع في اعتبارك تشغيل القليل من الموسيقى في الخلفية إذا كنت تبحث عن طريقة لتعزيز أدائك العقلي. ضع في اعتبارك اختيار موسيقى تعتمد في أساسها على الآلات الموسيقية بدلاً من تلك التي تحتوي على كلمات معقدة، والتي قد ينتهي بها الأمر إلى تشتيت انتباهك.

 

2- يمكن للموسيقى أن تقلّل من التوتر

 

منذ فترة طويلة وقد تم الاقتراح بأن الموسيقى يمكن أن تساعد في الحد من التوتر أو السيطرة عليه. مع الوضع في الاعتبار، الاتجاه إلى الموسيقى التأملية التي تم إنشاؤها لتهدئة العقل وتحفيز الاسترخاء. لذلك، يمكن أن يكون الاستماع إلى الموسيقى طريقة فعالة للتعامل مع التوتر.

 

كما تشير نتائج العديد من الأبحاث إلى أن الاستماع إلى الموسيقى له تأثير على مواجهة الشخص للتوتر، وخاصة الجهاز العصبي اللاإرادي. حيث يميل أولئك الذين يستمعون إلى الموسيقى إلى التعافي بسرعة أكبر عند التعرض للضغط والتوتر.

 

3- قد تساعدك الموسيقى على تناول كميات أقل من الطعام

 

واحدة من الفوائد النفسية الأكثر إثارة للدهشة للموسيقى هي أنها قد تكون أداة مفيدة لفقدان الوزن. إذا كنت تحاول إنقاص وزنك، فقد يساعدك الاستماع إلى الموسيقى الهادئة وتعتيم الأضواء حولك في تحقيق هدفك.

 

وفقًا لإحدى الدراسات، استهلك الأشخاص الذين تناولوا الطعام في المطاعم ذات الإضاءة المنخفضة حيث تُعزف الموسيقى الهادئة طعامًا أقل بنسبة 18% من أولئك الذين تناولوا الطعام في المطاعم الأخرى. يقترح الباحثون أن الموسيقى والإضاءة تساعد على خلق بيئة أكثر راحة. ونظرًا لأن المشاركين كانوا أكثر استرخاء وراحة، فمن الممكن أن يكون هذا السبب وراء استهلاكهم لطعامهم ببطء أكثر، مما جعلهم أكثر وعيًا بشعورهم بالشبع، وبالتالي عدم تناول كميات أكبر. يمكنك تجربة ذلك من خلال تشغيل الموسيقى الهادئة في المنزل أثناء تناول العشاء. ومن خلال إنشاء جو مريح وهادئ، فقد تكون أكثر عرضة لتناول الطعام ببطء، وبالتالي الشعور بالشبع في وقت أقرب.

4- يمكن أن تٌحسن الموسيقى من ذاكرتك

 

يستمتع الكثير من الطلاب بالاستماع إلى الموسيقى أثناء الدراسة، ولكن هل هذه فكرة جيدة؟ يشعر البعض بأنهم إذا استمعوا إلى موسيقاهم المفضلة أثناء دراستهم فإن ذلك سيحسن من ذاكرتهم، بينما يرى البعض الآخر أن الموسيقى تعمل ببساطة كإلهاء لهم.

 

تشير الأبحاث إلى أن ذلك قد يساعد، ولكنه يعتمد على مجموعة متنوعة من العوامل التي قد تشمل نوع الموسيقى، واستمتاع المستمع بهذه الموسيقى، وحتى مدى تركيزه أثناء الاستماع لها. وقد وجدت دراسة أخرى أن المشاركين الذين يتعلمون لغة جديدة أظهروا تحسنًا في معرفتهم وقدراتهم عندما مارسوا غناء كلمات وعبارات جديدة، مقابل مجرد التحدث المنتظم أو التحدث الإيقاعي. لذلك، بينما قد يكون للموسيقى تأثير على الذاكرة، فقد تختلف النتائج اعتمادًا على الفرد نفسه. إذا كانت الموسيقى تقوم بتشتيت انتباهك، فقد يكون من الأفضل لك التعلم في هدوء.

 

5- يمكن أن تساعد الموسيقى في إدارة الألم

 

أظهرت الأبحاث أن الموسيقى يمكن أن تكون مفيدة جدًا في إدارة الألم. وقد وجدت إحدى الدراسات لمرضى الألم العضلي الليفي أن أولئك الذين استمعوا إلى الموسيقى لمدة ساعة واحدة فقط في اليوم عانوا من انخفاض كبير في الألم مقارنة مع أولئك المتواجدين في المجموعة التي لم تستمع إلى الموسيقى.

 

وفي الدراسة، تم وضع المرضى الذين يعانون من الألم العضلي الليفي إلى مجموعة تجريبية استمعت إلى الموسيقى مرة واحدة في اليوم لمدة أربعة أسابيع. وفي نهاية تلك الفترة، شهد أولئك الذين استمعوا إلى الموسيقى كل يوم انخفاضًا كبيرًا في الشعور بالألم والاكتئاب. وتشير هذه النتائج إلى أن العلاج بالموسيقى يمكن أن يكون أداة مهمة في علاج الألم المزمن.

  

وأوضحت الدكتورة "كاثرين ميدز" من جامعة برونيل في بيان صحفي أن: أكثر من 51 مليون عملية يتم إجراؤها كل عام في الولايات المتحدة وحوالي 4.6 مليون عملية في إنجلترا. وأن تدخل الموسيقى خلالهم يكون آمنًا، غير مكلف، ويجب أن يكون متاحًا للجميع الذين يخضعون لعملية جراحية.

 

6- قد تساعدك الموسيقى على النوم بشكل أفضل

 

يُعد الأرق مشكلة خطيرة تؤثر على الناس من جميع الفئات العمرية. في حين أن هناك العديد من الأساليب لعلاج هذه المشكلة، بالإضافة إلى مشكلة اضطرابات النوم الشائعة الأخرى، فقد أثبتت الأبحاث أن الاستماع إلى الموسيقى الهادئة الكلاسيكية يمكن أن يكون علاجًا آمنًا وفعالًا وبسعر معقول.

 

وفي دراسة أُجريت على طلاب الكليات، استمع المشاركون فيها إلى الموسيقى الكلاسيكية أو الكتب المسموعة أو لم يستمعوا لشيئًا على الإطلاق. إحدى المجموعات استمعت إلى 45 دقيقة من الموسيقى الكلاسيكية الهادئة، بينما استمعت مجموعة أخرى إلى كتاب مسموع في وقت النوم لمدة ثلاثة أسابيع. قام الباحثون بتقييم جودة النوم قبل وبعد التجربة. ووجدت الدراسة أن المشاركين الذين استمعوا إلى الموسيقى كان لديهم نوعية نوم أفضل بكثير من أولئك الذين استمعوا إلى الكتاب المسموع أو الذين لم يتلقوا أي تدخل على الإطلاق. ونظرًا إلى أن الموسيقى هي علاج فعال لمشاكل النوم، يمكن استخدامها كاستراتيجية سهلة وآمنة لعلاج الأرق.


 

7- يمكن للموسيقى أن تُحفزّك أكثر أثناء التمرين

 

هناك سبب وجيه يجعلك تجد أنه من الأسهل ممارسة الرياضة أثناء الاستماع إلى الموسيقى. فقد وجد الباحثون أن الاستماع إلى الموسيقى سريعة الوتيرة يحفز الناس على التدرُب بجِد. وفي إحدى التجارب المصممة للتحقق من هذا التأثير، تم تكليف 12 طالبًا من الذكور الأصحاء بركوب الدراجات. في ثلاث تجارب مختلفة، ركب المشاركون دراجات لمدة 25 دقيقة في كل مرة أثناء الاستماع إلى قائمة أغاني تحتوي على ستة أغاني ذات وتائر مختلفة.

 

وبدون معرفة المستمعين، أحدث الباحثون اختلافات طفيفة في الموسيقى، ثم قاموا بقياس الأداء. وقد تم ذلك كالآتي: في البداية، تم ترك الموسيقى بسرعة عادية، ثم زادت بنسبة 10%، أو انخفضت بنسبة 10%. إذن، ما هو الأثر الذي أحدثه تغيير إيقاع الموسيقى على عوامل مثل المسافة، ومعدل ضربات القلب، والاستمتاع بالموسيقى؟ اكتشف الباحثون أن تسريع وتيرة الموسيقى أدى إلى زيادة الأداء من حيث المسافة المقطوعة، وسرعة الدواسات، والقوة المبذولة. على العكس من ذلك، أدى إبطاء وتيرة الموسيقى إلى الانخفاض في جميع هذه المتغيرات.

 

ومن المثير للاهتمام، أن الأبحاث أظهرت أن الاستماع إلى الموسيقى سريعة الوتيرة لا يجعل الممارسين يعملون بجد أكثر أثناء التدريبات فحسب، بل يجعلهم أيضًا يستمتعون بالموسيقى والتمرين أكثر. لذلك إذا كنت تحاول التمسك بروتين تمارين، ففكر في تجهيز قائمة موسيقى مليئة بالإيقاعات السريعة التي ستساعدك على تحفيزك والاستمتاع أكثر بفترة التمرين.

 

8- يمكن للموسيقى أن تُحسن مزاجك

 

ميزة أخرى تتعلق بالموسيقى، هي أنها قد تجعلك أكثر سعادة. اكتشف أحد الباحثين في تجربة بُنيت على سؤال وهو: لماذا الناس يستمعون إلى الموسيقى؟ وقد اكتشف الباحثون أن الموسيقى تلعب دورًا هامًا في تحسين المزاج. قام المشاركون بتقييم قدرة الموسيقى على مساعدتهم في تحقيق مزاج أفضل، وأن يصبحوا أكثر إدراكًا لذاتهم، كواحد من أهم وظائف الموسيقى.

 

وقد وجدت دراسة أخرى أن محاولة تعزيز الحالة المزاجية عن قصد من خلال الاستماع إلى الموسيقى الإيجابية يمكن أن يكون لها تأثير يظهر في غضون أسبوعين. تم توجيه المشاركين للمحاولة الهادفة لتحسين مزاجهم عن طريق الاستماع إلى الموسيقى الإيجابية كل يوم لمدة أسبوعين. وقد استمع المشاركون الآخرون إلى الموسيقى، ولكن لم يتم توجيههم ليصبحوا أكثر سعادة عن قصد. وعندما طُلب من المشاركين فيما بعد وصف مستويات السعادة الخاصة بهم، أفاد أولئك الذين حاولوا عن عمد تحسين مزاجهم عن شعورهم بالسعادة بعد أسبوعين فقط.

 

9- قد تخفف الموسيقى من أعراض الاكتئاب

 

وجد الباحثون أيضًا أن العلاج بالموسيقى يمكن أن يكون علاجًا آمنًا وفعالًا لمجموعة متنوعة من الاضطرابات، بما في ذلك الاكتئاب. وقد وجدت دراسة نُشرت في المجلة العالمية للطب النفسي أنه بالإضافة إلى تقليل الاكتئاب والقلق لدى المرضى الذين يعانون من أمراض عصبية مثل الخرف والسكتة الدماغية ومرض باركنسون، لم يظهر العلاج بالموسيقى أي آثار جانبية سلبية، مما يعني أنها آمنة للغاية.

 

10- يمكن للموسيقى تحسين القدرة على التحمل وتحسين الأداء

 

فائدة نفسية مهمة أخرى للموسيقى تكمن في قدرتها على تعزيز الأداء. في حين أن الناس لديهم معدل خطوات مفضلة عند المشي والركض، اكتشف العلماء أن إضافة إيقاع قوي، مثل الوتيرة الموسيقية السريعة، يمكن أن يلهم الناس لقطع مسافات بسرعة أكبر. العدائين ليسوا قادرين فقط على الجري أسرع أثناء الاستماع إلى الموسيقى، إنهم يشعرون أيضًا بدافع أكبر للالتزام بالمسافة المحددة وإظهار قدر أكبر من التحمل.

 

وفقًا للباحث "كوستاس كاراجورغيس" من جامعة برونيل، فإن الإيقاع المثالي لموسيقى التمارين يتراوح بين 125 و 140 نبضة في الدقيقة. وأوضح أيضًا لصحيفة وول ستريت جورنال أن: "الموسيقى يمكن أن تُغير الإثارة العاطفية والفسيولوجية مثل المنشطات الدوائية أو المهدئات. وأن لديها القدرة على تحفيز الناس حتى قبل الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية". فلماذا تعزز الموسيقى أداء التمرين؟ إن الاستماع إلى الموسيقى أثناء التمرين يقلل من إدراك الشخص لمجهوده. فهو يعمل بجد أكبر، ولكن لا يبدو أنه يبذل المزيد من الجهد. نظرًا لأن الموسيقى تحوّل انتباهه إلى الإيقاع، فمن غير المحتمل أن يلاحظ العلامات الواضحة للمجهود مثل زيادة التنفس، التعرق، وألم العضلات.

 

وأخيرًا، تتمتع الموسيقى بالقدرة على الإلهام والترفيه عن الاشخاص، ولكن لها أيضًا تأثيرات نفسية قوية، يمكنها تحسين صحتك النفسية والعامة. بدلًا من التفكير في الموسيقى على أنها ترفيه خالص، فكر في بعض الفوائد العقلية الرئيسية لدمج الموسيقى في حياتك اليومية. قد تجد أنك تشعر بتحفيز أكبر، والسعادة، والاسترخاء نتيجة لذلك.

 

في الأخبار