٥ اختلافات بين الحزن والاكتئاب 

الدكتورة هبه الزعبي

الدكتورة هبه الزعبي

طبيبة

إذا كان هناك قاتل صامت واحد معروف في المجتمع اليوم، فهو الاكتئاب. إن الاكتئاب حالة لا تعرف العِرق، ولا الجنس، ولا العمر، ولا اعتبار آخر عند افتراس ضحايا. قد يحدث ذلك لأي شخص، بما فيهم أنا وأنت. وبينما تم الاعتراف به منذ فترة طويلة كمرض يمكن معالجته من خلال المساعدة المهنية، والتوجيه العاطفي، والدعم من العائلة والأصدقاء، لكنه لا يزال يطارد الناس بدرجات مختلفة. يعاني بعض الأشخاص من الاكتئاب وتحمُّل ثِقَلُه لفترة من الزمن، ويتعلمون التعايش معه. يتمكن الآخرون من إدارة الحالة والتغلب عليها في النهاية من خلال أشكال مختلفة من المساعدة. ومع ذلك، هناك من يشعر أنه ليس لديهم مخرج آخر سوى الاستسلام.


لكن الاكتئاب غالبًا ما يتم الخلط بينه وبين الحزن. يدّعي البعض أنه مكتئب، لكن ما يشعرون به حقًا هو الحزن. بينما يقول البعض الآخر إنهم حزينون لكنهم في الحقيقة مكتئبون. قد يكون عدم القدرة على رسم الخط الفاصل بين هاتين الحالتين أمرًا خطيرًا للغاية، لأن معرفة ذلك هو الطريقة الوحيدة التي يمكنك من خلالها مساعدة شخص يعاني بالفعل من الاكتئاب، أو دعم من يحاول التغلب على حزنه. للنظر في هذا الأمر بعناية، إليك ٥ اختلافات بين الحزن والاكتئاب تحتاج إلى معرفتها اليوم.


1- الاهتمام بالأشياء التي تحبها


عندما تكون حزينًا، قد تشعر بالإحباط بسبب حدوث شيء محدد، أو شيء عرفته وكان عليك التعامل معه، لكن هذا الشعور لا يسلب اهتمامك بالاستمرار في فعل الأشياء التي تحبها. قد تكون حزينًا اليوم، وبينما تدرك هذا الشعور، لا تزال متشوقًا لمشاهدة هذا الفيلم الذي كنت تنتظر عرضه في دور السينما، أو قراءة كتاب، أو التسكع مع الأصدقاء. من ناحية أخرى، عندما تكون مكتئبًا، تفقد اهتمامك بالحياة بشكل عام. تمر بحالة تسمى انعدام التلذذ، أو نقص الاستمتاع بالأشياء والأنشطة التي اعتدت الاستمتاع بها. يبدو الأمر كما لو أنك لم تعد ترى الهدف من الاستمتاع بها كما كنت معتادًا، أما بالنسبة لك، فقد أصبحت الحياة مملة ويائسة.


2- السبب وراء شعورك


غالبًا ما يكون الحزن ناتجًا عن حدث أو تجربة، ولكن هناك أيضًا حالات لا يمكنك فيها تحديد سبب شعورك بالحزن فجأة. ومع ذلك، يمكن بسهولة أن تُطغي على هذا الشعور بمجرد انشغالك بأنشطة أخرى حتى تدرك أنك لم تعد حزينًا. في هذه الأثناء، قد يتفاعل الشخص المكتئب بشكل سلبي مع حدث أو تجربة معينة، ولكن في نهج أعمق بكثير، بحيث لم يعد أمرًا طبيعيًا. قد يستمر في التمسك بألم التجربة لأسابيع أو شهور أو حتى سنوات، حتى لو عادةً يسهل المضي قدمًا منها. ونعم، قد ينشأ الاكتئاب أيضًا بدون سبب واضح على الإطلاق.


3- تغيير في الأنشطة الروتينية


قد يتعرض الشخص الحزين إلى تغيير مؤقت في أنشطته الروتينية، لا سيما الأكل والنوم. من الشائع أن ينسى شخص حزين الأكل، أو لا يشعر بالرغبة في ممارسة الرياضة، أو يشعر بألم جسدي، أو يجد صعوبة في النوم لعدة أيام. ولكن مع زوال الحزن، يعود الشخص إلى هذه الأنشطة بشكل طبيعي. في هذه الأثناء، يُظهر الشخص المصاب بالاكتئاب تغييرات طويلة الأمد. يفقد هو أو هي الدافع للخروج من المنزل، ويُفضل أن ينام في معظم الأيام. هناك أيضًا أوقات قد يأكل بنَهَم، أو قد لا يأكل أي شيء على الإطلاق بسبب فقدان الشهية. 


4- الشعور بعدم الأمان وعدم الأهمية


هذه النقطة مثيرة للاهتمام أيضًا لأن الأشخاص الذين يشعرون بالحزن ويعانون من الاكتئاب يمرون بمراحل من الشعور بعدم الأمان وعدم الأهمية، ولكن هناك أيضًا خط يفصل بينهما. عندما يكون الشخص حزينًا، فمن الطبيعي أن يتألم أو يظن أنه غير محبوب أو أنه غير مهم للآخرين. لكن عندما يبدأ في المضي قدمًا من الحزن، فإنه أيضًا يشكل تصميمًا على وضع حد للحزن ويبحث عن طرق لتحسين حالته النفسية، مثل ممارسة الرياضة، أو تعلم مهارة جديدة، أو الانتقال إلى مكان جديد، أو العثور على وظيفة جديدة. على النقيض من ذلك، فإن الأشخاص الذين يعانون من نوبات اكتئاب، يستمرون في الشعور بعدم الأمان وعدم الأهمية. فبدلاً من التفكير في طريقة للخروج من حالتهم الحالية، فإنهم سيستمرون في الاستسلام لها، لأنهم يشعرون أنه بغض النظر عما يفعلونه، سيظلون غير مستحقين وغير محبوبين. ونعم، عندما تستمر هذه العقلية، قد يكون من الصعب تغييرها حتى بعد إقناع أحبائهم لهم.


5- أفكار معاقبة الذات وإيذاء النفس


في بعض الأحيان عندما نمر بحزن شديد، فإننا نميل إلى إلقاء اللوم على أنفسنا لما حدث. ولكن مع مرور الأيام، نتعلم قبول أنه لا يوجد شيء يمكننا فعله سوى التعلم من الموقف والمضي قدمًا. ومع ذلك، لا يمكن قول الشيء نفسه للأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب. بصرف النظر عن الشعور بالألم، فإن الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب هم أيضًا أكثر عرضة للأفكار السلبية عن إيذاء النفس وعقاب النفس كطريقة للتكفير عما يعتقدون أنه ذنبهم، حتى يصلوا إلى حد إيذاء أنفسهم جسديًا - وأحيانًا محاولة الانتحار. 


هل أنت حزين فقط أم أنك مكتئب؟


قد ترغب في البدء في التفكير فيما إذا كنت حزينًا أو مقيدًا بالفعل بالاكتئاب، لأن معرفة شعورك الحقيقي لا يسمح لك فقط باتباع الاتجاه الصحيح للعلاج، ولكن أيضًا للسماح لبيئتك المباشرة بالمساعدة. في الواقع، كلنا نشعر بالحزن. الحزن عاطفة إنسانية، يأتي ويذهب مع مرور الوقت. ولكن ما يميزه عن المشاعر الأخرى هو أنه يمكن أن يكون بداية سريعة نحو الاكتئاب، خاصةً عندما لا يتم التعامل معه وإعطائه الاهتمام المناسب. إن الشعور بالحزن قد يؤدي أيضًا إلى تفاقم المشاعر السلبية الأخرى التي قد تسبب الاكتئاب مثل التوتر، والغضب، والقلق، واليأس.


الحزن والاكتئاب يمكن السيطرة عليهما والتغلب عليهما. كل ما يتطلبه الأمر هو الاستعداد لطلب المساعدة والدعم المناسبين. وبالتالي، إذا كنت تعرف شخصًا يشعر بالحزن، فكن موجودًا من أجله. وإذا كنت تعرف شخصًا تعتقد أنه على حافة الهاوية - أو أنه يعاني بالفعل من الاكتئاب، ادعمه. لا يجب أن يشعر المرء بالخجل عند التعامل مع الحزن والاكتئاب. تذكر دائمًا أن هناك العديد من الأشخاص المستعدين للاستماع دون إصدار أحكام، ويريدون المساعدة فقط. تذكر أن الحزن والاكتئاب، بغض النظر عن مدى تشابكهما، وبغض النظر عن مدى عمقهما أو مدتهما، لا يعتبران حالة دائمة أبدًا. سوف تشعر بتحسن مرة أخرى.

في الأخبار