ما هو التلاعب العقلي في علم النفس؟

الدكتورة هبه الزعبي

الدكتورة هبه الزعبي

طبيبة

إن التلاعب العقلي هو شكل من أشكال الإساءة النفسية الخفية التي يمارسها بعض الأشخاص لجعل الضحايا يشعرون كما لو أنهم "مجانين". نتيجة لذلك، ستبدأ الضحية التي وقع عليها التلاعب العقلي في التشكيك في نفسها، وفي الواقع الذي تعيش فيه، وفي الحقائق التي تؤمن بها، وستبدأ في الاعتقاد بأنها المصدر الوحيد لأي مشاكل في العلاقة. يمكن أن يحدث ذلك في مجموعة متنوعة من الظروف، ولكن يحدث ذلك بشكل أكثر شيوعًا في العلاقات الحميمة.


أصل الكلمة


في عام ١٩٣٨، مسرحية تسمى "جاز لايت"، قدمت مفهوم التلاعب العقلي. تحكي المسرحية قصة رجل يقنع زوجته بأنها مجنونة حتى يحصل على ميراثها. يحاول الزوج في المسرحية تقويض إحساسها بذاتها، ويربك واقعها، ويشوه نظرتها لنفسها، ويجعلها تعتقد أنها لا تستطيع الوثوق بحكمها على الأمور. على سبيل المثال، يخفي شيء يخصها، ثم يلوم زوجته على فقدانه، أو يحرك لوحة ما ويخبرها أنها فعلت ذلك دون أن تتذكر. حتى أنه يخبرها أنها "مريضة" ويقنعها بأنها ليست على ما يرام حتى لا تخرج مع العائلة والأصدقاء. كما أنه يخفت أضواء الغاز في غرفتها في أوقات عشوائية ويخبرها أن هذا كله يدور في ذهنها؛ حتى بدأت تعتقد أنها تفقد الاتصال بالواقع.


التلاعب العقلي سلوك مسيء 


في عام ١٩٦٩، نُشر مقال في المجلة العلمية، "ذا لانست"، يشرح فكرة التلاعب العقلي بشكل أكبر. علماء النفس الذين كتبوا المقال شرعوا بأن التلاعب العقلي يعد شكل من أشكال الإساءة. اليوم، يُستخدَم مصطلح "الجاز لايتينج" لوصف استراتيجيات التلاعب بالعقل التي تجعل الناس يشكون في أنفسهم وفي عقلهم. إن التلاعب العقلي ليس تشخيصًا رسميًا للصحة العقلية، لكنه اكتسب مصداقية باعتباره مشكلة حقيقية. في عام ٢٠١٥، تم تضمين كلمة "الجاز لايتينج" أو التلاعب العقلي، في جزء من القانون الجنائي للعنف المنزلي الذي تم سنّه في المملكة المتحدة. لأول مرة، اعترفت القوانين بأن العنف المنزلي ليس بالضرورة مثل الاعتداء الجسدي أو الجنسي الواضح. بدلاً من ذلك، يمكن أن يشمل عزل الضحية، أو التحكم في كل جانب من جوانب حياتها، أو تقويض صحتها العقلية.


أمثلة على التلاعب العقلي 


كتبت ستيفاني ساركيس، الحاصلة على درجة الدكتوراه، كتابًا بعنوان "التلاعب العقلي: التعرّف على الأشخاص المتلاعبين والمسيئين عاطفيًا - والتحرر منهم"، مما جعل المصطلح "جاز لايتينج" أكثر شيوعًا. تقول في كتابها أن بحثها وجد أن هذه هي الاستراتيجيات الشائعة التي يستخدمها المتلاعبون لإقناع الضحايا بأنهم يفقدون الاتصال بالواقع:


  • يقولون الكثير من الأكاذيب. إنهم يريدونك أن تستجوب كل شيء. لذا فهم يكذبون بشأن كل الأشياء، كبيرها وصغيرها.
  • إنهم ينفون قول الأشياء التي قالوها. على الرغم من أنه قد يكون لديك دليل على أنهم قالوا شيئًا ما، إلا أنهم سيصرون على أنهم لم يفعلوا ذلك مطلقًا، لذا ستشكك في نفسك وعقلك.
  • يستنزفون طاقتك. يستمرون في إضعاف ضحاياهم تدريجيًا بمرور الوقت. إنهم يعملون ببطء شديد لدرجة أن معظم الضحايا لا يدركون حتى حدوث ذلك.
  • يستخدمون ما هو مهم بالنسبة لك كذخيرة. سواء كانوا يعرفون أنك تقدر أطفالك قبل كل شيء، أو يعرفون أن حياتك المهنية مهمة جدًا بالنسبة لك، فإنهم سيهاجمونك من خلال أكثر شيء عزيز عليك.
  • سلوكهم لا يتطابق مع كلماتهم. ما يقولونه لا معنى له، فهُم يتصرفون بشكل مخالف تمامًا لكلماتهم من خلال سلوكهم.
  • يستخدمون التعزيز الإيجابي لإرباكك. إنهم يحبطونك بكل الطرق حتى تفقد الثقة بنفسك، لكنهم في نفس الوقت سوف يقدمون المديح كطريقة لإقناعك بأنهم ليسوا بهذا السوء.
  • يربكونك بشدة. يريد المتلاعب إرباكك بشأن كل شيء، لكن في نفس الوقت يريدون منك أن تشعر بالاستقرار من حولهم. 
  • يقومون بإسقاط أخطائهم عليك.  قد يتهمونك باستمرار بفعل الأشياء التي يفعلونها، مثل تعاطي المخدرات أو الغش حتى يشعرون بشكل أفضل حيال أنفسهم.
  • يحاولون قلب الناس ضدك. قد يحاولون إقناعك بأن أحبائك "يعرفون أنك عديم القيمة" أو "يعتقدون أنك سيئ". وهذا سوف يجعل من الصعب عليك معرفة من تثق.
  • يصفونك بالجنون. إنهم يشككون في سلامتك وحتى من الممكن أن يخبرون الآخرين أنك "مجنون".
  • يقولون لك أن الجميع يكذب.  قد يقولون أن كل فرد من عائلتك وأصدقائك يكذب عليك. وقد يقولون أيضًا أن وسائل الإعلام تكذب كوسيلة للتلاعب بك. فهُم يريدون منك الاعتماد عليهم للحصول على المعلومات "الصحيحة".

الجوانب الاجتماعية للتلاعب العاطفي


في ورقة بحثية عام ٢٠١٩، يجادل المؤلف بأن التلاعب العقلي ليس مجرد ظاهرة نفسية؛ إنه أيضًا مشكلة اجتماعية. يشير المؤلف إلى كيفية عمل التلاعب العقلي عند استخدامه في العلاقات التي تنطوي على القوة الغير متكافئة، يحدث ذلك عندما يستغل المُتلاعب النمطية الاجتماعية لعدم التوافق بين الجنسين، وأوجه عدم المساواة بينهما، وضعف المؤسسات القانونية تجاه الضحايا. إن التلاعب العاطفي شائع في حالات العنف المنزلي، خاصةً عندما تكون النساء معزولات في بيوتهن، يمكن أن يضخم ذلك المخاطر التي تتعرض لها النساء المعتدى عليهن، ويمنعهن من الوصول إلى الموارد التي يمكن أن تساعدهن على الهروب من الإساءة.


 أمثلة على الإساءة النفسية


أثبتت بعض المقابلات مع النساء اللواتي اختبرن علاقات مسيئة أن الجناة غالبًا ما يستخدمون تكتيكات محددة لإرباك النساء. قالت إحدى النساء إن شريكها السابق كان يكذب بشأن لون التنورة التي ارتدتها في اليوم السابق في محاولة لإقناعها بأنها لا تستطيع التركيز أو ملاحظة الأمور. وقالت امرأة أخرى أن زوجها السابق كان يخترع قصص لخيانتها له وكان يحاول إقناعها بأن لديه دليل على أنها كانت تخونه. وقالت عدة نساء أخريات أنهن دخلن المستشفى بسبب تدهور حالتهن النفسية من تصرفات شريكهن، وبمجرد خروجهن من المستشفى، استخدم شريكهن ذلك ضدهن بقول أشياء مثل: "لقد أخبرتك أنكِ مجنونة." في حين أن أي شخص يمكن أن يكون ضحية للتلاعب العقلي، فإن الدراسات تُثبت إلى أن الرجال هم الأكثر شيوعًا لممارسة التلاعب العقلي ضد النساء.


الهروب من التلاعب العقلي


وجد الباحثون أن الكثير من الناس يحتاجون إلى الابتعاد عن الجاني من أجل رؤية الأشياء بشكل أكثر وضوحًا. الانفصال عن الجاني يساعدهم على تعلم أنهم يستطيعون الوثوق بإحساسهم بالواقع، ويساعدهم على توضيح ما حدث لهم. إذا كنت تشك في أنك قد تكون ضحية لشخص يقوم بالتلاعب بك وخداعك، عقليًا وعاطفيًا، فاطلب المساعدة المتخصصة. تحدث إلى طبيبك أو تواصل مع أخصائي صحة عقلية للحصول على المساعدة.


قد يكون كونك ضحية لشخص يتلاعب بك أمرًا مربكًا ومحبطًا للغاية، وقد يتسبب ذلك في قيامك ببعض الأشياء التي لا تفعلها عادةً؛ لأن التواجد في بيئة غير صحية يمكن أن يؤثر عليك بشكل سلبي للغاية. لذلك، يمكن أن يكون الحصول على المساعدة هو المفتاح لإحداث التغييرات الإيجابية التي تحتاجها للتخلص من التلاعب العقلي الذي قد يمارسه أقرب الناس لك عليك.

في الأخبار