أهمية التخلص من السموم الرقمية

الدكتورة هبه الزعبي

الدكتورة هبه الزعبي

طبيبة

يشير مصطلح التخلص من السموم الرقمية إلى فترة من الوقت يمتنع فيها الشخص عن استخدام الأجهزة التقنية، مثل الهواتف الذكية، وأجهزة التلفزيون، وأجهزة الكمبيوتر، والأجهزة اللوحية، ومواقع التواصل الاجتماعي. غالبًا ما يُنظر إلى "إزالة السموم" من الأجهزة الرقمية على أنها طريقة للتركيز على التفاعلات الاجتماعية الواقعية دون تشتيت الانتباه من خلال التخلي عن الأجهزة الرقمية، مؤقتًا على الأقل. قبل أن تقرر ما إذا كان ذلك مناسبًا لك، ضع في اعتبارك بعض الفوائد والأساليب المحتملة للقيام بالتخلص من السموم الرقمية.

 

لماذا عليك أن تتخلص من السموم الرقمية؟

 

بالنسبة للعديد من الأشخاص، يعد التواصل والانغماس في العالم الرقمي مجرد جزء من الحياة اليومية. وفقًا لبحث من شركة Nielsen، يقضي الشخص البالغ في الولايات المتحدة حوالي 11 ساعة يوميًا في الاستماع إلى الوسائط، أو مشاهدتها، أو التفاعل معها. هناك العديد من الأسباب التي قد تجعلك ترغب في التخلي عن هاتفك المحمول والأجهزة الأخرى لفترة وجيزة. قد ترغب في الاستمتاع بوقتك مع نفسك دون تدخل من هاتفك والأجهزة الأخرى. في حالات أخرى، قد تشعر أن استخدام جهازك أصبح مفرطًا ويضيف الكثير من الضغط على حياتك.

 

في بعض المواقف قد تشعر أنك مدمن على أجهزتك، في حين أن إدمان التكنولوجيا غير معترف به رسميًا على أنه اضطراب، حيث يعتقد العديد من الخبراء أن الإفراط في استخدام التكنولوجيا والأجهزة يمثل إدمانًا سلوكيًا حقيقيًا للغاية يمكن أن يؤدي إلى مشاكل جسدية، ونفسية، واجتماعية. في استطلاع أجرته منظمة Common Sense Media، أفاد 50% من المراهقين أنهم شعروا بأنهم مدمنون على أجهزتهم المحمولة. وقال 78% من المراهقين أنهم يفحصون أجهزتهم الرقمية كل ساعة.

 

ماذا تقول الأبحاث عن السموم الرقمية؟

 

يمكن أن تكون التكنولوجيا مرهقة

 

بينما يشعر الناس غالبًا أنهم لا يستطيعون تخيل الحياة بدون أجهزتهم التقنية، وجدت الأبحاث والاستطلاعات أن استخدام التكنولوجيا يمكن أن يساهم أيضًا في التوتر. في استطلاع الإجهاد السنوي الذي أجرته "جمعيات علم النفس الأمريكية"، أشار خمس البالغين في الولايات المتحدة (حوالي 18%) إلى استخدام التكنولوجيا كمصدر مهم للتوتر في حياتهم. وبالنسبة للكثيرين، فإن الاتصال الرقمي الدائم والحاجة المستمرة لمواصلة فحص رسائل البريد الإلكتروني، والنصوص، ووسائل التواصل الاجتماعي، هي التي شكلت غالبية هذا الضغط التكنولوجي. وجدت إحدى الدراسات التي أجراها باحثون في السويد أن الاستخدام المكثف للتكنولوجيا بين الشباب مرتبط بمشاكل النوم، وأعراض الاكتئاب، وزيادة مستويات التوتر.

 

يمكن للأجهزة الرقمية تعطيل النوم

 

تشير الدلائل أيضًا إلى أن الاستخدام المكثف للأجهزة، خاصةً قبل النوم، يمكن أن يتداخل مع جودة النوم ومدته. وجدت إحدى الدراسات أن الأطفال الذين يستخدمون الأجهزة الرقمية في وقت النوم لديهم جودة نوم أسوأ وأقل بشكل ملحوظ. وجد الباحثون أيضًا أن استخدام الوسائط الاجتماعية الإلكترونية في السرير له آثار سلبية على النوم والمزاج. وجدت الدراسة أن 70% من المشاركين فحصوا وسائل التواصل الاجتماعي على هواتفهم أثناء وجودهم في السرير، و 15% يقضون ساعة أو أكثر على وسائل التواصل الاجتماعي قبل النوم. وجدت النتائج أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي عندما تكون في السرير ليلاً يزيد من احتمالية الإصابة بالقلق، والأرق، وقصر مدة النوم.

 

قد يكون الاستخدام المكثف للأجهزة مرتبطًا بمخاوف الصحة العقلية

 

وجدت دراسة نُشرت في مجلة "Child Development" أن الاستخدام اليومي المكثف للتكنولوجيا كان مرتبطًا بزيادة خطر الإصابة بمشاكل الصحة العقلية بين المراهقين. تم ربط المزيد من الوقت الذي يتم قضاؤه في استخدام التقنيات الرقمية بزيادة أعراض فرط الحركة، ونقص الانتباه، واضطراب السلوك، فضلًا عن سوء التنظيم الذاتي.

 

يؤثر الاتصال المستمر بالتكنولوجيا على التوازن بين العمل والحياة الشخصية

 

هذا الشعور بالتواصل الدائم يمكن أن يجعل من الصعب إنشاء حدود بين حياتك المنزلية وحياة العمل. حتى عندما تكون في المنزل أو في إجازة، قد يكون من الصعب مقاومة إغراء التحقق من بريدك الإلكتروني، أو الرد على رسالة نصية من زميل، أو التحقق من حساباتك على وسائل التواصل الاجتماعي.

 

في دراسة نُشرت في مجلة Applied Research in Quality of Life، وجد الباحثون أن استخدام التكنولوجيا وتقنيات الهاتف المحمول قد أثر على الرضا الوظيفي العام، وضغوط العمل، والشعور بالإرهاق. قد تساعدك عملية التخلص من السموم الرقمية في إنشاء توازن أكثر صحة وأقل إجهادًا بين العمل والحياة.

 

المقارنة الاجتماعية تجعل من الصعب أن تكون راضيًا

 

إذا كنت تقضي وقتًا على وسائل التواصل الاجتماعي، فمن المحتمل أنك وجدت نفسك تقارن حياتك بأصدقائك، وعائلتك، والغرباء، والمشاهير. قد تجد نفسك تفكر في أن كل شخص آخر يبدو وكأنه يعيش حياة أكمل أو أكثر إثارة بناءً على اللمحة الصغيرة المنسقة التي تراها على منشورات Instagram أو Facebook. كما يقول المثل، يمكن أن تكون المقارنة سارقة الفرح. يمكن أن يكون التخلص من السموم من اتصالاتك الاجتماعية طريقة جيدة؛ للتركيز على ما هو مهم في حياتك دون مقارنة نفسك بالآخرين.

 

علامات تخبرك أنك تحتاج إلى التخلص من السموم الرقمية

 

  • تشعر بالقلق أو التوتر إذا لم تتمكن من العثور على هاتفك.
  • تشعر بالاكتئاب، أو القلق، أو الغضب بعد قضاء بعض الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي.
  • تخشى أن يفوتك شيء ما إذا لم تستمر في فحص جهازك.
  • غالبًا ما تجد نفسك تسهر لوقت متأخر أو تستيقظ مبكرًا للعب على هاتفك.
  • لديك مشكلة في التركيز على شيء واحد دون الحاجة إلى فحص هاتفك.

 

كيفية القيام بالتخلص من السموم الرقمية

 

قد يقترح البعض أن التخلص من السموم الرقمية الحقيقية قد يتضمن امتناعًا محددًا عن جميع الأجهزة الرقمية واتصالات الوسائط الاجتماعية، ولكن من المهم استخدام جهازك من أجل حياتك ومتطلباتك. يمكن أن يفيد الانفصال عن أجهزتك صحتك العقلية، لكن إجراء التخلص من السموم الرقمي لا يجب أن ينطوي على فصل كامل عن هاتفك والاتصالات التكنولوجية الأخرى. غالبًا ما تتعلق العملية بوضع حدود والتأكد من أنك تستخدم أجهزتك بطريقة تفيد، بدلًا من الإضرار بصحتك العاطفية والجسدية.

 

ضع حدودًا

 

في حين أنه ليس من الممكن دائمًا قطع الاتصال بشكل تام. فإن وضع قيود على الوقت الذي يُسمح فيه لهذه الاتصالات الرقمية بتشتيت وقتك، يمكن أن يكون مفيدًا لصحتك العقلية. على سبيل المثال، قد ترغب في استخدام هاتفك لتشغيل قائمة موسيقى Spotify، أو Apple Music أثناء التمرين، ولكن تعيين الهاتف على وضع الطائرة سيضمن عدم تشتيت انتباهك عن طريق المكالمات الهاتفية، أو النصوص، أو الرسائل الأخرى، أو الإشعارات أثناء التمرين.

 

يساعد وضع حدود لنوع وتوقيت الاتصالات على ضمان أنه يمكنك الاستمتاع بأنشطة في العالم الحقيقي خالية تمامًا من عمليات التشتيت الرقمية. وتشمل الأوقات الأخرى التي قد ترغب في تقييد استخدام جهازك الرقمي فيها ما يلي:

 

  • عند تناول وجبات الطعام، خاصةً عند تناول الطعام مع أشخاص آخرين.
  • عندما تقضي الوقت مع الأصدقاء أو العائلة.
  • قبل أن تنام كل ليلة.

 

تشير الأبحاث إلى أن قصر استخدامك لوسائل التواصل الاجتماعي على ما يقرب من 30 دقيقة يوميًا، يمكن أن يقلل من أعراض الوحدة والاكتئاب. قد يكون تقييد استخدام جهازك المحمول مباشرة قبل النوم مفيدًا أيضًا. وجدت مراجعة واحدة أن استخدام الأجهزة الرقمية قبل النوم مرتبط بجودة النوم السيئة، والنوم غير الكافي، والنعاس المفرط أثناء النهار. تجنب الاستلقاء على السرير واللعب على هاتفك، وبدلًا من ذلك حاول قراءة كتاب أو مجلة لبضع دقائق قبل أن تنام.

 

تخلص من المشتتات

 

هناك طريقة أخرى لبدء التخلص من السموم الرقمية، وهي إيقاف تشغيل الإشعارات الفورية على هاتفك. ترسل العديد من تطبيقات الوسائط الاجتماعية بما في ذلك Facebook، و Instagram، و Twitter، و Pinterest، والمواقع الإخبارية، تنبيهات متكررة بشكل يومي. بدلًا من التحقق من تطبيقات أو مواقع ويب معينة في كل مرة يظهر منشور جديد، خصص وقتًا محددًا كل يوم تتحقق فيه من رسائلك أو إشعاراتك. ثم خصص قدرًا معينًا من الوقت، حوالي 20 أو 30 دقيقة؛ لتكريسه لمتابعة وارسال الردود.

 

قد تجد أنه من المفيد ترك هاتفك بعيدًا عنك لفترة وجيزة على الأقل. فقد وجدت الدراسات أن مجرد وجود جهاز محمول، حتى لو لم تستخدمه بشكل نشط، يقلل من جودة المحادثة عند التفاعل مع أشخاص آخرين. لذلك، في المرة القادمة التي تتناول فيها العشاء مع مجموعة من الأصدقاء، حاول ترك هاتفك بعيدًا عنك.

 

نصائح سريعة للتخلص من السموم الرقمية

 

يجد بعض الأشخاص التخلي عن أجهزتهم أمرًا سهلًا إلى حد ما، في حين سيجد الآخرون الأمر أكثر صعوبة وحتى مثيرًا للقلق في بعض الأحيان. هناك بعض الأشياء التي يمكنك القيام بها للتأكد من أن التخلص من السموم الرقمي أكثر نجاحًا:

 

  • دع أصدقائك وعائلتك يعرفون أنك تتبع روتينًا للتخلص من السموم الرقمية، واطلب مساعدتهم ودعمهم.
  • احذف تطبيقات الوسائط الاجتماعية من هاتفك لتقليل التشتت.
  • احتفظ بدفتر يوميات لتتبع تقدمك واكتب أفكارك حول التجربة.

 

قد يكون التنقل بدون جهاز أمرًا غير مريحًا ومجهدًا في بعض الأحيان. قد تشعر بالضيق، والقلق، وحتى الملل بدون هاتفك المحمول والأدوات التكنولوجية الأخرى. في حين أنه قد يكون صعبًا، إلا أنه يمكن أن يكون تجربة مجزية ستساعدك على فهم علاقتك بأجهزتك بشكل أفضل وتكون أكثر وعيًا في أنشطتك وتجاربك الأخرى.

في الأخبار